ب- أنه صلى الله عليه وسلم لما استيقظ ووجد الأعرابي قد سل سيفه يهدده بالقتل، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس معه شيء يدافع به عن نفسه، والأعرابي يقول له:(ما يمنعك مني؟) ، أي: من يحميك مني؟، أو من يحول بيني وبين قتلك، لم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله «الله» ، وهذا يدل على عظيم تعلق قلبه صلى الله عليه وسلم بربه، ويقينه أن أمر الأعرابي بيد الله وحده، فالله سبحانه قادر على أن يشل يد الأعرابي، بل قادر على أن يقتل الأعرابي في مكانه، أو أن يهديه إلى الحق.
وأقول: كلنا نثق بالله- عز وجل- ونعلم أنه يرانا ويسمعنا في كل أحوالنا وفي جميع أقوالنا، ولكن من منا إذا تعرض لما تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجزع ولا يخاف، ولا يقول إلا (الله) .
٢- شجاعته صلى الله عليه وسلم حيث إنه لما استيقظ، ووجد السيف مسلطا عليه، لم تتحرك له ساكنة، ولم تظهر عليه أي من علامات الخوف كطلب النجدة، أو الرعشة، أو التوسل إلى الرجل حتى يتركه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح:(وفي الحديث فرط شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال)«١» .
٣- حبه صلى الله عليه وسلم للعفو والصفح عمن أراد إيذاءه، ورد في الحديث:(فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ومعنى (ثم لم يعرض له) ، أي لم يعاقبه على ما فعل، قال ابن حجر:(فمنّ عليه لشدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام) .
٤- تمام عناية الله بنبيه صلى الله عليه وسلم، فقد حماه من كل من أراد إيذاءه وقتله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله حيث قال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ [الطور: ٤٨] .
[الفائدة الثانية:]
من فوائد الثبات وحسن الثقة بالله، تخويف الأعداء وإلقاء الرعب في قلوبهم، بل ويجعلهم على يقين أننا على الحق وهم على الباطل، فهذا الرجل في الحديث الذي معنا، وقد تمكن من سل السيف على النبي صلى الله عليه وسلم، ما الذي جعله يغمد سيفه ويجلس دون أدنى إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، أليس رؤيته لشجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه بالله تعالى؟ قال الحافظ ابن حجر:(وكأن الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم وعرف أنه حيل بينه وبين النبي علم تحقق صدقه وأنه لن يصل إليه، فألقى السلاح وأمكنه من نفسه) .
يتفرع عليه، وجوب أن يرى أعداؤنا منا اليوم ثقتنا الكاملة بالله وتمسكنا بديننا، حتى