هو يوم مشهود في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل في حياة البشرية، تباينت فيه الأتراح والأفراح تباينا عظيما، لم يعرف لها مثيل من قبل، حزن فيه أهل الأرض- من المسلمين- حزنا شديدا كاد يذهب عقولهم ويقطع نياط قلوبهم، وفرح فيه أهل السماء فرحا شديدا، حزن فيه أهل الأرض لحرمانهم من رؤية وجه أحب وأعز الخلق إليهم، الذي طالما افتدوه بالمال والأهل والنفس، وآثروه على كل غال ونفيس، فهاهم قد حرموا الذي علمهم وهداهم ونصحهم ودلهم على كل خير ونهاهم عن كل شر، حزن أهل الأرض لانقطاع الأمن والأمان الذي كانوا يشعرون به والحبيب صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم، إذا قالوا خطأ صوّبهم، وإذا رأى منهم اعوجاجا قوّمهم، وإذا وقعوا في المخالفات ذهبوا إليه فاستغفروا الله واستغفر لهم صلّى الله عليه وسلّم، فغفر الله لهم وتاب عليهم، حزن أهل الأرض لأن بموته صلّى الله عليه وسلّم انقطع وحي السماء، فلا وحي بعده أبدا، ولن ينزل جبريل بالكتاب والحكمة، فأي مصيبة أعظم من ذلك.
وعلى النقيض، فرح أهل السماء فرحا شديدا؛ لأن الروح الزكية العطرة الكريمة صعدت في ذلك اليوم إلى بارئها وخالقها، روح الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، اليوم سيشم أهل السماء رائحة النفس المباركة، التي ما عصت الله مرة واحدة، وما غفلت عن ذكره طرفة عين ولا أقل من ذلك، نفس بذلت كامل وسعها لله جل في علاه، فإذا كان عرش الرحمن قد اهتز لموت سعد بن معاذ استبشارا وسرورا بقدوم روحه، فكيف سيكون الحال بقدوم روح من علّم سعدا ورباه، هو يوم عظيم ليس في حياة أهل الأرض والسماء فحسب، بل في حياة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، يوم عظيم له لأن الخليل سيلقى فيه خليله، فيسعد برؤياه ويأنس بلقياه ويفرح بعطاياه، يوم مشهود في حياته صلّى الله عليه وسلّم حيث تتوالى عليه المنح بغير محن. فإذا كانت المنح في الدنيا قد أهديت إليه ببعض الألم والحزن وشدة المرض، فاليوم ستكون العطايا خالصة صافية لا يشوبها شائبة، يوم مشهود للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث لا كرب عليه بعده أبدا جزاء على جميل صنيعه وعظيم معروفه المبذول لوجه ربه الكريم الحنان المنان، قال تعالى: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)[الضحى: ٤] .
وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين عن الوفاة النبوية، سأقتصر هنا على ذكر حديث واحد، وأورد ما استطعت من ألفاظ الروايات الآخرى في سياق ذكر الفوائد.