للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤا إن شئتم» : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] «١» . كما روى عن ابن عبّاس قال قال النّبيّ: صلى الله عليه وسلم «أريت النّار فإذا أكثر أهلها النّساء يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قطّ» «٢» . وروى أيضا، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اطّلعت في الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطّلعت في النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء» «٣» . وعنده عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثمّ رأيناك تكعكعت قال: «إنيّ أريت الجنّة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا» «٤» .

فيجب علينا أن نؤمن يقينا أن الجنة والنار موجودتان، ومن ينكر وجود الحكمة من خلقهما الآن، أقول له: نؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة، سواء علمنا الحكمة أم جهلناها، مع تسليمنا أن كل ما يقضي به الله عز وجل إنما يكون لحكمة بالغة، فحاشاه عن اللهو والعبث، ومع ذلك أقول: إن حكمة وجودهما ظاهرة، ولله الحمد، فمن ذلك، أن الكفار يعذبون في قبورهم بعرضهم على جهنم، صباحا ومساء، والمؤمنين ينعّمون برؤية مقاعدهم في الجنة، قال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر: ٤٦] ، كما أن الترهيب والترغيب بالشيء الموجود، أعظم أثرا من الشيء غير الموجود، وهذا يدركه كل عاقل، وانظر أثر ما قصّه النبي علينا من مشاهد الجنة والنار، على نفوس المؤمنين.

[الفائدة التاسعة:]

فضل التيامن، فأهل الإيمان والطاعات، على يمين آدم، أما أهل الكفر والمعاصي، فهم على شماله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن عائشة قالت: (كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه التّيمّن في تنعّله وترجّله وطهوره وفي شأنه كلّه) «٥» ، والله عز وجل قد سمى أهل الجنة بأصحاب اليمين، وسمى أهل النار بأصحاب الشمال.


(١) رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: قوله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ ... [السجدة: ١٧] ، برقم (٤٧٧٩) .
(٢) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: كفران العشير وكفر دون كفر، برقم (٢٩) .
(٣) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة، برقم (٣٢٤١) .
(٤) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم (٧٤٨) .
(٥) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب: التيمن في الوضوء والغسل، برقم (١٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>