الخالق البارئ، هذا الله الواحد الصمد المتفرد بصفات الجمال والكمال، التي لا ينازعه فيها أحد، قد قدر وقضى بل ورضي أن يرفع ذكر نبيه صلى الله عليه وسلّم بحيث لا يذكر هو العظيم الحكيم، إلا وذكر معه نبيه صلى الله عليه وسلّم.
فهل بعد هذا الحب من حب، وهل بعد هذا التكريم والتشريف من رتبة أعلى؟ لا والله، فقد بلغ صلى الله عليه وسلّم الغاية في التشريف والتعظيم.
[تنبيه وتحذير:]
ليس معنى أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلّم كلما ذكر الله- سبحانه وتعالى- مثل التشهد والأذان، أن ذلك يعني التشريك في الأمر أو المساواة في التعظيم أو أن للنبي صلى الله عليه وسلّم أدنى أدنى تصرف في ملك الله- عزّ وجلّ- حاشا لله، فما زال الله خالقا مالكا معبودا وحده، وما زال النبي صلى الله عليه وسلّم مخلوقا مملوكا عبدا، وهو يفتخر بذلك أشد الافتخار، وقد ذكرت ذلك في هذا الكتاب كثيرا، فلا يجب أن نخلط بين الأمرين، فكما أن الله- عزّ وجلّ- هو الذي علمنا أنه رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم وصدقنا ربنا في ذلك، هو نفسه الذي علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلّم ليس له من الأمر شيء، قال تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [آل عمران: ١٢٨] ، فلماذا نصدق الأولى، ونماري في الثانية، ألهوى في قلوبنا؟ من فعل ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة، فعلينا أن نؤمن بالكتاب كله، ونقول:
٢- ذكره صلى الله عليه وسلّم في الملأ الأعلى وفي الحضرة الإلهية، وذلك بصلاة الله والملائكة عليه، بالثناء والذكر الحسن بل العجيب أن ينسحب هذا الثناء والذكر الحسن إلى المؤمنين ببركة صلاتهم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلّم:«من صلى علّي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» . [رواه مسلم]«١» .
٣- ذكره صلى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل، ليس ذكر اسمه فحسب بل نعته كاملا، قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٧] ، وقد بلغ أمره صلى الله عليه وسلّم من الشهرة والصيت، أن أهل الكتاب يعرفون أوصافه وشمائله وسيرته صلى الله عليه وسلّم كمعرفتهم أولادهم الذين جاؤا من
(١) جزء من حديث أخرجه مسلم، كتاب: الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، برقم (٣٨٤) .