٢- مساواته صلى الله عليه وسلم في إقامة الحدود بين الناس، شريفهم ووضيعهم حيث رد صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد في امرأة شريفة (قرشية مخزومية) وزاد على ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:«وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» ، ونقف عند هذه المقولة العظيمة بتأمل فنقول:
أ- بدأها النبي صلى الله عليه وسلم بالقسم فقال:«وايم الله» ليزيدنا اهتماما بالمقولة، ونعلم أنها ليست على سبيل المبالغة، بل هي والله الحقيقة التي لا يماري فيها أحد.
ب- عظيم شرف فاطمة رضي الله عنها حيث مثل بها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان مساواته بين الحد المتعلق بالضعيف، والحد المتعلق بالشريف، ولو كان هناك أشرف منها، أو أحب إليه منها، لضرب النبي صلى الله عليه وسلم به المثل، ومعلوم للجميع حب النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، عليها السلام، فعن المسور بن مخرمة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني»«١» .
ج- وتأمل- أخي القارئ- كيف نسب النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة إليه، ليعظم شأنها ويبين شدته في الحق، فقال:(فاطمة بنت محمد) ، ولم يقل:(فاطمة ابنتي) ، ليذكرنا بشرفها وقربها منه صلى الله عليه وسلم ثم قال في إحدى روايات البخاري:«لقطع محمد يدها» ، ولم يقل:(لقطعت يدها) ، بصيغة المبني للمجهول، ليعلمنا أن القطع سيكون بأمره، وأن محمدا الذي هو أبو فاطمة، لن تأخذه الشفقة والحنان الذي يأخذ الوالد بابنته.
٣- حرصه صلى الله عليه وسلم على تعليم الأمة حيث قام صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس، عشية يوم أن كلمه أسامة بن زيد، وقال:«إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» ، فحول صلى الله عليه وسلم المسألة من مسألة خاصة إلى مسألة عامة، وعلّم الصحابة الحكمة في رده لشفاعة أسامة بن زيد، وبيّن بذلك مغبة التفرقة في إقامة الحدود على أساس الشرف والنسب.
[الفائدة الثانية:]
يتفاوت حب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقد علم الصحابة ذلك، لذا اختاروا أسامة بن زيد رضي الله عنه ليشفع في المرأة المخزومية وقالوا:(ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وهي منقبة عظيمة لأسامة رضي الله عنه.
الفائدة الثّالثة:
حرص الصحابة على الخير والاستغفار على الفور مما قد يقعون فيه من زلات، وعلمهم أن استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليس كاستغفارهم لأنفسهم، لما ورد أن أسامة قال:(استغفر لي يا رسول الله) ، وكان هذا منهم امتثالا لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ
(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: مناقب قرابة رسول الله ... ، برقم (٣٧١٤) .