للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيهم، وهذا من شدة الجفاء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فتحولت عباداتهم عادات واستشكلت عليهم أمور دينهم فينكرون منها أكثر مما يعرفون والأدهى والأطم أنهم يقارنون أقوالهم بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرضون أعمالهم على الغرب قبل عرضها على الهدي النبوي الشريف وما ذلك إلا جزاء تركهم وبعدهم عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال- تعالى-: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً [الأحزاب: ٣٦] .

[أولا: سبب نزول الآية الكريمة:]

قال القرطبي- رحمه الله-: (روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش وكانت بنت عمته فظنت أن الخطبة لنفسه فلما تبين أنه يريدها لزيد كرهت وأبت وامتنعت فنزلت الآية فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته) «١» .

وهذا ذكره الحافظ ابن كثير والشيخ السعدي- رحمهما الله- وغيرهما من المفسرين.

[ثانيا: بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

عظّمت الآية وجوب الامتثال والانصياع لكل ما قضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأكدت الآية من أولها إلى آخرها هذا المعنى على نسق بديع وبيان ذلك على النحو التالي:

١- بدأت الآية بقوله- تعالى-: وَما كانَ قال الإمام القرطبي: (معناها الحظر والمنع فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون، وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا، كقوله- تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها [النمل: ٦٠] ، وربما كان للعلم بامتناعه شرعا، كقوله- تعالى-: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران: ٧٩] «٢» .

وأقول: إنما تأتي هذه الصيغة لتأكيد شدة الانتفاء واستحالة حدوث الأمر لمعارضته الشرع أو العقل أو الاثنين معا، كقوله- تعالى-: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم: ٣٥] . وتصدير آية الباب بقوله- تعالى-: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ يفيد استبعاد مخالفة أمر الله ورسوله لمن اتصف بالإيمان سواء كان رجلا أم امرأة.


(١) انظر الجامع لأحكام القرآن، (١٤/ ١٨٦) .
(٢) انظر المصدر السابق، (١٤/ ١٨٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>