وأي عمل، العمل الذي عجزوا عنه جميعا، وكان يشجعهم ويدعو لهم وهم ينقلون التراب عند حفر الخندق، كما ورد عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الّذين بايعوا محمّدا على الجهاد ما حيينا أبدا، فأجابهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجره» «١» .
وهذه هي الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كل قائد.
والذي يؤكد ذلك من الحديث أن جابرا لما صنع طعاما، ودعا النبي ومعه رجل أو رجلان، صاح الرسول بنفسه على أهل الخندق، ودعاهم إلى مشاركته في الطعام، وما هو الطعام الذي يكفي هذا الجيش؟ إنها عناق وشعير، ترى ماذا يغني هذا، ولكنها بركته صلى الله عليه وسلم وأمثلة إيثاره وبركته كثيرة في السنة، ذكرت طرفا منها في باب تكثير الطعام والشراب.
[الفائدة الثانية:]
أدب الصحابة مع النبي، وامتثالهم لأمر الله- عز وجل- في قوله:
وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور: ٦٢] ، فإن جابرا أراد أن يذهب ليصنع للرسول طعاما، لا لحاجة لنفسه، ومع ذلك استأذن قبل الذهاب.
الفائدة الثّالثة:
حرص الصحابة على متابعة أحوال النبي، والاهتمام به، إذ لاحظ جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى طعام وهذا يدلك على بشرية النبي، وأنه يشعر بالجوع كبقية البشر، ولكنه يتحلى بالصبر والجلد والمثابرة، ويتحمل ما لا يتحمله غيره.
الفائدة الرّابعة:
حرص الصحابة على حسن ضيافة النبي وإدخال السرور عليه، إذ بادرت زوجة جابر على ذبح العناق، والسياق يشعر أنه ما كان عندها غيره إذ قالت:
(عندي شعير وعناق) ، وهذا العمل ليس بالأمر السهل، إذ إن الله- عز وجل- قد أثنى على إبراهيم عليه السّلام، وعلى حسن ضيافته لأضيافه في موضعين من القرآن الكريم، قال تعالى في أحد الموضعين: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: ٢٦] ، وهذا هو الذي فعلته زوجة جابر، فانظروا إلى تربية القرآن الكريم وكيف أنهم عملوا بما علموا.
والغريب أن جابرا كان يريد أن يؤثر النبي بالعناق فلا يشاركه فيها أحد حيث قال له:
(فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان) ، حتى امرأته كانت تتمنى أن يأكل النبي حتى
(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أصلح الأنصار والمهاجرة، برقم (٣٧٩٥) . ومسلم كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة الأحزاب وهي الخندق برقم (١٨٠٤) .