مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: ٢٠] ، فخفف الله عن الأمة بهذه الآية ما افترضه عليهم أول الأمر من قيام الليل.
وتخيل أخي القارئ لو أن مأموما، ذهب إلى أحد الأئمة، الذين ليس لهم باع طويل في علم السّنة، وسأله التخفيف في الصلاة؛ لأن عنده شغلا، لقام الإمام يخطب الناس، أنهم قد باعوا دينهم بعرض من الحياة الدنيا، وأن أمر الدين هو آخر ما يشغلهم وغير ذلك من أساليب التوبيخ والتأنيب.
٣- حسن تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم لأصناف الناس أصحاب الأعذار:
[فالأول: صاحب العذر المؤقت]
الطارئ والذي قد يظهر على صاحبه، وهو الضعيف.
[والثاني: صاحب العذر الملازم له]
والذي يظهر دائما على صاحبه، وهو الكبير.
[والثالث: صاحب العذر غير الملازم له]
والذي لا يظهر على صاحبه، وهو ذو الحاجة.
قال صلى الله عليه وسلم: «فأيكم صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة» ، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم حيث جمع أمثال كل أصناف الناس بذكر هؤلاء الثلاثة.
ولما كان الغالب، ألايخلو جماعة المصلين من وجود أحد أصحاب الأعذار، صدر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف دائما، ولذلك أقول: إن الشرع دائما يحكم على الأمور بالغالب الأعم وليس بالنادر، ولا يعتد بما يشذ، وهي من الحكم العظيمة لهذا الدين.
وأود أن أنبه هنا، ألا يكون هذا الحديث حجة لبعض أئمة المساجد، هداهم الله، للإخلال بركن الطمأنينة بالصلاة، والذي تبطل الصلاة بالإخلال به، فعليهم التمييز بين وجوب الطمأنينة في كل أركان الصلاة، وبين التخفيف الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
[الفائدة الثانية:]
على ولي الأمر أن يقتدي في كل شئونه، بالأضعف من الناس وأصحاب الحاجات الخاصة، وأن يراعي حالهم ومصلحتهم أولا، ولو كانوا قلة في الأقوياء من الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شرع التخفيف في الصلاة، راعى مصلحة الضعفاء دون مصلحة الأقوياء، والذين قد يتلذذون بتطويل الصلاة، ولا يجدون في ذلك أي مشقة، ولكن لما استحال الجمع بين مصلحة الفريقين، قدم صلى الله عليه وسلم مصلحة الضعفاء.