للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدر أي أحد من أفراد الأمة لا يستوي مع قدر النبي صلى الله عليه وسلّم ولا ينبغي له من التعظيم والإجلال ما ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلّم.

ويتفرع على ذلك أننا يجب أن نميز بين حديثنا عن الرسول صلى الله عليه وسلّم وحديثنا عن أشراف وسادات الناس. فيجب أن يكون هناك فرق في التعظيم والإجلال والإكبار بين النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره، ولو كان من عظاماء المسلمين، لأننا إن لم نفعل ذلك وقعنا في النهي؛ قال تعالى:

لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.

نقل القرطبي كلاما نفيسا عن القاضي أبي بكر ابن العربي نصه: (حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به) «١» .

وقد نوّه ابن كثير- رحمه الله- عن وجوب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم بعد مماته بقوله: (قال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلّم كما كان يكره في حياته صلى الله عليه وسلّم لأنه محترم حيّا وفي قبره صلى الله عليه وسلّم دائما) «٢» .

٣- من أبلغ مظاهر تعظيم الآية لمقام النبي صلى الله عليه وسلّم، أن جعلت عقوبة رفع الصوت عليه هي حبوط العمل، وفي هذا أبلغ التعظيم للمحظور، وهو رفع الصوت، قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: (إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك، فيغضب الله تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري) «٣» .

وأعتقد أن العقوبة المترتبة على رفع الصوت، لا يشترط لها غضب النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا لم يغضب لم تكن هناك عقوبة، ولكني أعتقد أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلّم بعدم رفع الصوت عليه هو أمر مطلوب لذاته وهو من مقتضيات الإيمان، ويعاقب تاركه وإن لم يتأذّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

والدليل على ذلك أن الآية لم تقيد حبوط العمل بغضب النبي صلى الله عليه وسلّم ولكن قيدته فقط برفع الصوت.

[فوائد الآية الثانية:]

أما فوائد الآية الثانية: وهو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ ... [الحجرات: ٣] :

فتتلخص في عظيم الحث على التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم بغضّ الصوت عنده، مع أبلغ الثناء


(١) انظر «الجامع لأحكام القران» (١٦/ ٣٠٧) .
(٢) انظر «تفسير القران العظيم» (٤/ ٢٠٨) .
(٣) انظر «تفسير القران العظيم» (٤/ ٢٠٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>