للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتفرع على ذلك أنه يجب على الأمة أن تشعر بالامتنان له صلّى الله عليه وسلّم فتوفيه حقه فإن عجزت- وهو الواقع- فلا أقل عن المستطاع.

ولكن ما سبب غواية الأمة في حال اختياره صلّى الله عليه وسلّم الخمر؟.

الجواب: ذكره صاحب تحفة الأحوذي «١» بقوله: (بناء على أنه لو شربها لأحلّ للأمة شربها فوقعوا في ضررها وشرها) «٢» .

[الفائدة الثانية:]

أن الهداية بيد الله- عز وجل-، لقول جبريل عليه السّلام: «الحمد لله الذي هداك للفطرة» ، ويجب على المسلم أن يستشعر ذلك بقلبه وألا يكون ذلك كلاما بلسانه فقط، يقوله على سبيل التواضع، ويؤخذ منه أيضا أن الهداية مما يحمد الله- سبحانه وتعالى- عليه.

الفائدة الثّالثة:

سعة علم الله- سبحانه وتعالى- حيث إن علمه لا ينحصر فقط على ما وقع وسيقع من الأمور وعواقبه، بل شمل عواقب ما لن يقع فيما لو وقع، ودليله أن جبريل عليه السّلام علم ما سيقع فيما لو اختار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخمر، وما علم ذلك إلا بتعليم الله إياه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقوله: «غوت أمتك» يحتمل أن يكون أخذه من طريق الفأل أو تقدّم عنده علم بترتيب كل من الأمرين وهو أظهر) «٣» .

قلت: بل الأظهر- والله أعلم- ما ذكرته آنفا وهو أن الله هو الذي علمه؛ لأنه الأليق بمقام جبريل عليه السّلام.

الفائدة الرّابعة:

لو خير الرجل بين مباحين فمن الحكمة ورجاحة العقل أن يوازن بين ما فيهما من المصالح والمفاسد، وأيهما رجحت عنده مصلحته على مفسدته اختاره، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم عرض عليه الخمر واللبن وقت إباحة الخمر، فرجح اللبن لأنه هو الفطرة ولما ذكرته آنفا.

[الفائدة الخامسة:]

لماذا كان اللبن هو الفطرة؟. نقل صاحب تحفة الأحوذي عن الإمام القرطبي قوله: (يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه) «٤» .

٢- تزكية قلبه صلّى الله عليه وسلّم:

لما كان القلب هو أعظم جوارح الجسد، فبه تصلح جميع الجوارح وبه تفسد، كما في الحديث الذي رواه الشيخان عن النعمان بن بشير وفيه: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا


(١) وهو المباركفورى.
(٢) انظر تحفة الأحوذي (٨/ ٤٤٧) .
(٣) انظر فتح الباري (١٠/ ٣٣) .
(٤) تحفة الأحوذي بشرح الترمذي (٨/ ٤٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>