للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

كذب من ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خص عليّا- رضي الله عنه- بأمور من هذا الدين لم يطلع عليها أحد غيره، ودليله قول علي رضي الله عنه: (ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة) ، والمنفي هنا شيء اختصوا به عن الناس، ودليله أيضا ما رواه مسلم، قال أبو الطّفيل عامر بن واثلة: كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسرّ إليك؟ قال: فغضب، وقال: ما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسرّ إليّ شيئا يكتمه النّاس غير أنّه قد حدّثني بكلمات أربع قال: فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غيّر منار الأرض» «١» .

قال الإمام ابن حجر- رحمه الله تعالى: (في الحديث رد لما تدعيه الشيعة بأنه كان عند علي وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة أعلمه بها سرّا تشتمل على كثير من قواعد الدين وأمور الأمارة) «٢» .

وقال الإمام النووي في شرح مسلم: (هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الشيعة والرافضة ويخترعونه من قولهم: إن عليّا رضي الله عنه أوصى إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه) . انتهى كلام النووي رحمه الله «٣» .

وأقول: بل يكفي في إبطالها أنها تقدح في أمانة النبي صلى الله عليه وسلم حاشا لله- في تبليغ رسالة ربه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ [المائدة: ٦٧] ، واختصاص أحد دون الناس بأمر من أمور الدين ينفي امتثال النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ربه عزّ وجلّ.

[الفائدة الثانية:]

التهديد الشديد والوعيد الأكيد لمن أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا؛ لأن من فعل ذلك فقد استحق لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال الإمام النووي


(١) مسلم، كتاب: الأضاحي، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم (١٩٧٨) .
(٢) فتح الباري (٤/ ٨٦) .
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>