مفصلا- إن شاء الله- تعالى- وسنذكر أولا سبب نزول الآية، ثم ما في الآية الكريمة من فوائد، ثم نختم بكيفية تفاعل الصحابة مع الآية.
[أولا: سبب نزول الآية:]
ذكر العلماء عدة أسباب لنزول الآية، تدور كلها في معنى واحد وهو رفع طائفة من الصحابة صوتهم على صوت النبي صلى الله عليه وسلّم كالأعراب الذين يتصف الغالب منهم بالجفاء في الحديث والغلظة في المعاملة، وقد ورد في سبب النزول عن ابن أبي مليكة قال:(كاد الخيّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النّبيّ صلى الله عليه وسلّم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل اخر فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلّا خلافي. قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية، قال ابن الزّبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية حتّى يستفهمه)«١» .
تدبر أخي القارئ فيمن نزلت هذه الآية الكريمة، لقد نزلت في خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلّم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، في رجلين معلوم فضلهما وسبقهما إلى الإسلام، فما من أحد أعظم منة على الإسلام وأهله من الصديق، وما من أحد أعز الله به الإسلام أكثر من عمر، رضي الله عنهما، ومع ذلك لا يستحي الحق- تبارك وتعالى- أن يأدبهما ويرشدهما إلى السلوك القويم الذي ينبغي أن يسلكاه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا قدّر الله- سبحانه وتعالى- أن يتسامح مع أحد في رفع صوته فوق صوت نبيه صلى الله عليه وسلّم لتسامح مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وحسبهما قربهما من النبي صلى الله عليه وسلّم وحبه لهما، فكيف نتصور أن يتسامح الله عزّ وجلّ لمن هو دونهما في الفضل والسبق، إذا لم يتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم؟! واسمع لما يقول ابن أبي مليكة:(كاد الخيران أن يهلكا) . فلم يشفع لهما مكانتهما أن يهلكا إذا لم يلزما الأدب في حضرة النبي صلى الله عليه وسلّم.
[ثانيا: بعض فوائد الآية:]
[الفائدة الأولى:]
تحريم رفع الصوت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلّم بحيث يعلو صوت المتكلم صوته صلى الله عليه وسلّم قال القرطبي- رحمه الله تعالى-: (معنى الآية الأمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلّم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته، أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم
(١) البخاري، كتاب: تفسير القران، باب: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، برقم (٤٨٤٥) .