للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعزك ورحمك، وأخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فرقا) ، وأضاف: (قال بعض العلماء: إنما بدر منه ترك الأولى فقدم له العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب) «١» .

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

عظيم حب الله- سبحانه وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلّم إذ دعا له بعفوه، وتظهر عظمة هذا الدعاء أن جعل فاعل عفا هو لفظ الجلالة.

وقد يكون قوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ من باب الإخبار لا الدعاء، فيكون هذا أبلغ في الحب والشفقة إذ أخبره- سبحانه وتعالى- أنه عفا عنه بالفعل الماضي قبل أن يوجّه له العتاب حتى يتيقن صلى الله عليه وسلّم أن هذا العتاب لن يؤثر مطلقا في مكانته عند ربه عزّ وجلّ.

[الفائدة الثانية:]

حاجة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى عفو ربه الحنان المنان، ولذلك دعا الله له بالعفو.

ويتفرع عليه حاجة الناس كلهم جميعا إلى عفو ربهم من لدن آدم حتى أدنى رجل من المسلمين، وعلى المسلمين أن يدعوا ليل نهار بعفو ربهم عسى أن يشملهم ويعمهم، ومن سوء الأدب أن يشعر المسلم لصلاحه وتقواه أنه في غنى عن عفو ربه.

[الفائدة الثالثة:]

ثبوت صفة العفو لله عزّ وجلّ، ويتفرع على ذلك، أن على المسلم ألا ييأس من عفو ربه مهما بلغت ذنوبه، وعليه أن يعلم أن اليأس من العفو هو كفر يخرج من ملة الإسلام؛ قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: ٨٧] .

[الفائدة الرابعة:]

عدم علم النبي صلى الله عليه وسلّم لأمور الغيب- إلا ما علّمه له الله- حيث أثبتت الآية أن إذن النبي صلى الله عليه وسلّم للبعض في التخلف عن الغزو جعله لا يعلم الصادق منهم والكاذب، وهذا الغيب الذي لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلّم هو غيب نسبي، فمن باب أولى فإنه صلى الله عليه وسلّم لا يعلم الغيب المطلق.

[الفائدة الخامسة:]

ذم صفة الكذب أعظم الذم، حيث إن الله- سبحانه وتعالى- قد وصف بها الذين أظهروا طاعة الله ورسوله وأضمروا في قلوبهم المعصية، قال مجاهد:

(نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا) «٢» .


(١) انظر الجامع لأحكام القرآن (٨/ ١٥٥) .
(٢) انظر تفسير الطبري (١٠/ ١٤٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>