للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما ادعوا أن الذي يعلمه ويكتب له أحد أصحابه، قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: ١٠٣] ، ولكن الله- عز وجل- فضح كذبهم، وبين أن الذي يدعون أنه يعلم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ليس من العرب بل هو رجل أعجمي، قال تعالى: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: ١٠٣] ، حتى أهل الكتاب كانوا على يقين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أميّا، بل تيقنوا أنه لم يقرأ كتب الرسل السابقين، لذلك كانوا يسألونه في مسائل يريدون أن يعجزوه بها، ليس لها جواب إلا في كتبهم، روى البخاري: أنّ عبد الله بن سلام بلغه مقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ: ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه؟ قال: «أخبرني به جبريل آنفا» «١» ، بذلك تعلم حكمة الله- عز وجل- في كون النبي صلّى الله عليه وسلّم أميّا، ولو لم يكن للنبي صلّى الله عليه وسلّم معجزة إلا أنه تكلم بجوامع الكلم مع كونه أميّا لا يقرأ ولا يكتب، لكفى ذلك حجة على الكفار بصدق نبوته صلّى الله عليه وسلّم وقد بين الله تعالى رحمته بالناس حيث قدّر على رسوله أن يكون أميّا بقوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت: ٤٨] .

الفائدة الرّابعة:

على المسلم إذا بدأ في طلب العلم، أو في تعليمه، أن يسمي الله- عز وجل- وأن ينخلع من حوله وقوته، ويكون يقينه بالله وحده، استفدنا ذلك من قوله:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) [العلق: ١] قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ، أي:

لا تقرؤه بقوّتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربّك وإعانته، فهو يعلّمك، كما خلقك وكما نزع عنك علق الدّم وغمز الشّيطان في الصّغر، وعلّم أمّتك حتّى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمّيّة) «٢» .

ومن رحمة الخالق بخلقه أنه يسر لهم أدوات العلم ولم يتركهم لغياهب الجهل، وهذا من مقتضيات الخلق، يؤيد ذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: ٧٨] ، فالله هو الذي منحنا تلك الحواس لنستعين بها على تلقي العلم حيث ذكرت تلك الحواس بعد ذكر خروج الناس من بطون الأمهات لا يعلمون أي شيء، والعلوم النافعة هي توفيق من الله- عز وجل- وفتح رباني، وبقدر ما جعل الله في تلك الحواس من حسن نظر وتفكر وفهم، كان صاحبها في


(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: كيف آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه برقم: (٣٩٣٨) .
(٢) فتح الباري (١/ ٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>