للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدليل من كتاب أو سنة، تعظيما لحقه علينا صلى الله عليه وسلم وإجلالا وإكبارا أن نقول في حقه ما لا نعلم، سواء بكلمة مدح أو ذم، لأن كلمة المدح في حقه صلى الله عليه وسلم ينبني عليها حكم في شرع الله، وأحكام الشرع لا تثبت إلا بدليل. وأورد بعض الأدلة تبرأ ساحته صلى الله عليه وسلم مما ينسب إليه:

أ- تزوج النبي صلى الله عليه وسلم في عنفوان شبابه، وفي حال لم يسبق له الزواج من قبل، بخديجة رضي الله عنها وهي أكبر منه بخمسة عشر عاما، وقد تزوجت مرتين قبله، وبقي معها خمسة وعشرين عاما، لم يجمع معها زوجة أبدا، أي بقي معها وحدها كل فترة شبابه وتعداها حتى بلغ الخمسين من عمره أو يزيد، وقد كبرت هي أيضا رضي الله عنها حتى قالت عائشة عنها في حديث الباب: (ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين) ، وهو وصف صحيح من عائشة لخديجة رضي الله عنهما لأنه لو لم يكن صحيحا لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم خاصة مع حبه الشديد لخديجة رضي الله عنها وقال الحافظ ابن حجر في معنى وصف عائشة: (والذي يتبادر أن المراد بالشدقين ما في باطن الفم فكنّت بذلك عن سقوط أسنانها حتى لا يبقى داخل فمها إلا اللحم الأحمر من اللثة وغيرها) «١» .

ب- أما ما رواه النسائي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني الصلاة» «٢» ، فقد ورد في شرح السندي للحديث كلام نفيس نصه: (إنما حبب إليه النساء لينقلن عنه ما لا يطلع عليه الرجال من أحواله ويستحيا من ذكره وقيل: حبّب إليه زيادة في الابتلاء في حقه حتى لا يلهو بما حبّب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره وقيل غير ذلك) «٣» . انتهى كلامه. ومعنى لمشاقه: أي زيادة في مكابدة المشقة.

[الفائدة الثانية:]

عظيم فضل خديجة رضي الله عنها وقد ذكرت طرفا منه أعلاه، ولكن أود أن أضيف هنا- ما يثبت من الحديث- عظيم شأن خديجة رضي الله عنها وهو قول عائشة رضي الله عنها:

(كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة) ، ونخلص منه، أن من كثرة فضلها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إليها ويتكلم عنها كأن لم يكن في الوجود امرأة غيرها، أي أن أحدا من نساء الدنيا لا يساميها؛ بل لا يقاربها في فضلها.


(١) انظر فتح الباري (٧/ ١٤٠) .
(٢) النسائي، كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء، برقم (٣٩٣٩) .
(٣) انظر حاشية السندي (٧/ ٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>