للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له كن فيكون، وأن الحذر لا يمنع من وقوع القدر، فها هو أمية علم بخبر قتله، وأخذ الحيطة والحذر، فأخرجه الله- سبحانه وتعالى- من بيته رغم أنفه، وسار مع الجيش حتى قتل، فلولا يقين سعد بن معاذ رضي الله عنه بهذا، لأخفى عن أمية الخبر.

يتفرع على ذلك، وجوب أن يؤمن المسلم بأن قضاء الله وقدره نافذ لا محالة، وأن كل شيء مقدر ومعلوم ومكتوب عند الله- سبحانه وتعالى- وهو مقتضى الإيمان بسادس الأركان، وهو الإيمان بقضاء الله وقدره، وكلما قويت تلك العقيدة عند المسلم، كلما قل همه وغمّه وأسفه وجزعه بما يلاقيه من أقداره الله المؤلمة، وما يفوته من حظوظ الدنيا.

[الفائدة الثالثة:]

منقبة عظيمة لأهل المدينة وهم الأنصار، قال أبو جهل: (وقد أويتم الصّباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم) ، فقد أثبتت المقولة، أن الأنصار رضي الله عنهم، هم الذين آووا المؤمنين المهاجرين ونصروهم وأعانوهم، ويتضمن هذا الإقرار، أن الأنصار قد عادوا كل الدنيا، من أجل نصرة الله ورسوله.

ولعل سائلا يسأل: هل كافأ النبي صلّى الله عليه وسلّم الأنصار ورد لهم جميل صنيعهم؟، والجواب:

أن رد هذا المعروف من النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أكمل وأجمل، فكفى لأهل المدينة شرفا ورفعة وسؤددا، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد عاد معهم بعد أن فتح الله له مكة، زادها الله تشريفا وتعظيما، وهي بلده التي أخرج منها، بل هي أشرف البقاع، ومع ذلك عاد إلى المدينة مع الأنصار، وبقي معهم وبينهم بقية حياته، حتى دفن بين أظهرهم.

ومن أراد الوقوف على المزيد فليراجع باب: تفضيل مدينته ومسجده، ليعلم عظيم بركة نصرة أهل المدينة للرسول صلّى الله عليه وسلّم ونقول بحق وصدق: ربح البيع، ربح البيع يا أهل المدينة، يا أنصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

٢- طاعتهم المطلقة له صلّى الله عليه وسلّم

عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتّى سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته، فخرج إليهما حتّى كشف سجف «١» حجرته، فنادى: «يا كعب بن مالك» . فقال: لبّيك يا رسول الله، وأشار إليه أن ضع من دينك الشّطر. قال: قد فعلت يا رسول الله. قال: «قم فاقضه» «٢» .


(١) السجف: السّتر.
(٢) البخاري كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد، برقم (٤٧١) ، وأخرجه كذلك (٤٥٧) ، (٢٤١٨) ، (٢٤٢٤) وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>