للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رؤس الأشهاد وأوجب شرعه على رقاب العباد مستمرا على دوام الآباد إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد) . انتهى «١» .

٣- بذكر استهزاء الكفار لمن قبله من الرسل:

قال تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الأنعام: ١٠] .

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية ما نصه: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله: هوّن عليك يا محمد ما أنت لاق من هؤلاء المستهزئين بك المستخفين بحقك وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيهم وإصرارهم على المقام على كفرهم نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم غيرهم من تعجيل النقمة لهم وحلول المثلات بهم) «٢» .

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (هذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم في تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة) «٣» .

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

ليس في النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يبعث على استهزاء وسخرية الكافرين- هلك وخاب من اعتقد خلاف ذلك- فهو صلّى الله عليه وسلّم أكمل الناس خلقا وأجملهم وجها وأحسنهم صوتا وأفصحهم لسانا وأبلغهم بيانا وأرجحهم عقلا وأصدقهم قولا وأوفاهم عهدا وأجودهم نفسا وأرقهم قلبا، ومن قبل ومن بعد: أعلمهم وأتقاهم لله رب العالمين، ولكن استهزاء الكفار هو مسلكهم مع الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام.، فإذا كان كفار مكة ليسوا بدعا من الكفار في استهزائهم بالأنبياء، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس بدعا من الأنبياء في استهزاء الكفار به، فإن لله- عز وجل- سنة واحدة وهي نصرة النبيين وإهلاك المستهزئين، قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وبذلك تكون الآية قد سلّت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أحسن وجه بأن ذكرت أن من استهزئ به من قبل هم خير الخلق وذكرت عاقبة المستهزئين. فرفعت الحرج الذي يمكن أن يجده النبي صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين نفسه أو أمام أزواجه أو أصحابه رضي الله عنهم جميعا.


(١) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٥٦٠) .
(٢) تفسير الطبري (٧/ ١٥٣) .
(٣) تفسير القرآن العظيم (٢/ ١٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>