يدخلون الجنة، قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، ولو لم يكن الظالم لنفسه سيدخل الجنة برحمة الله، فلماذا ذكر في الآية التي يعدد الله- سبحانه وتعالى-، فيها أفضاله على هذه الأمة؟ وكيف تختم الآية الأولى والتي ذكر فيها الظالم لنفسه بقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ؟ وإذا كان الظالم لنفسه سيخلد في جهنم، فلماذا لم يذكر في الآية التالية، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر: ٣٦] .
ومعلوم أنه لن يخلد في النار إلا كافر، كما ورد في أحاديث الشفاعة الصحيحة، وحديث أبي ذرّ المشهور والذي رواه البخاري، عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثمّ أتيته وقد استيقظ فقال: «ما من عبد قال: لا إله إلّا الله ثمّ مات على ذلك إلّا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال:«وإن زنى وإن سرق» .
قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال:«وإن زنى وإن سرق» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال:
«وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذرّ»«١» . ويصدق ذلك كله قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨] ، وهذه الآية إنما هي للدار الآخرة، لأن في الدنيا يغفر الله الشرك والمعاصي لمن تاب وأناب، أما قوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: ٥٣] ، فإنما هي للدار الدنيا وليست للدار الآخرة.
وقد بينت في موضع آخر من الكتاب، أنه لا ينبغي لأحد من المسلمين، أن يستمرئ المعاصي والذنوب لعلمه بأن الله لن يخلده في النار، وأن ماله بعد التطهير من الذنوب إلى الجنة، وقد بينت أن هذا من سوء الأدب مع الله- سبحانه وتعالى-، كما ألاأحد يضمن لهذا العاصي المستبيح لحرمات الله- عز وجل-، أن يموت على الإسلام، وألا يختم له بخاتمة السوء، والعياذ بالله.