للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثالثا: تفاعل الصحابة رضي الله عنهم مع الآية الكريمة:]

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شرّ، كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل الأرض، فأتى الرّجل فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فقال موسى بن أنس فرجع المرّة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: «اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكن من أهل الجنّة» «١» .

وقد أوردت هذا الحديث كشاهد على تفاعل الصحابة رضي الله عنهم مع ايات الذكر الحكيم لأثبت أن الصحابة فهموا الغرض الحقيقي من نزول القران الكريم، فكانوا يقفون عند كل اية ليتدبروا ما فيها من أحكام تشريعية وتكليفات إلهية، فما كان في استطاعتهم فعلوه في الحال، كالنهي مثلا عن شرب الخمر، وما كان في غير مقدورهم- حسب فهمهم للآية- شكوا حالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ليجدوا عنده المخرج، ومثاله ما رواه البخاري، عن عبد الله قال: (لما نزلت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: ٨٢] ، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أيّنا لم يظلم؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣] ) «٢» .

ومثاله أيضا الحديث الذي معنا، ونذكر سريعا طرفا من فوائده:

[بعض فوائد الحديث]

[الفائدة الأولى:]

في الشمائل النبوية:

١- تفقّد النبي صلى الله عليه وسلّم لأصحابه وسؤاله عن الغائب منهم لما ثبت في رواية مسلم: (فسأل النبي صلى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت اشتكى؟ فقال سعد: إنه كان لجاري وما علمت له بشكوى) «٣» . وهذا يدل على حب النبي صلى الله عليه وسلّم لأصحابه واعتنائه بهم.

٢- عظيم شفقة النبي صلى الله عليه وسلّم بأصحابه ورغبته في إدخال السرور عليهم والمبادرة إلى ذلك ما أمكن، ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يستدع ثابت بن قيس ليبشره بالبشارة العظيمة، ولكنه رد إليه سعد بن معاذ مرة أخرى ليبشره، وأظن أن النبي صلى الله عليه وسلّم فعل ذلك حبّا منه أن يخرج ثابت ابن قيس من بيته- الذي حبس نفسه فيه- فرحا مرفوع الرأس مستبشرا بالجنة، بعد أن


(١) البخاري، كتاب، المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، برقم (٣٦١٣) .
(٢) البخاري، كتاب: الإيمان، باب: ظلم دون ظلم، برقم (٣٢) .
(٣) مسلم، كتاب: الإيمان، باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله، برقم (١١٩) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>