للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكذب ظاهرا بيّنا لكل أحد، كان الوقوع فيه أعظم جرما؛ لعدم التباس أمره على الناس، وفي وصفه بهذا الوصف أبلغ المدح لعائشة- رضي الله عنها-، حيث وضحت الآية أن الحديث كان إفكا، وهو إفك ظاهر بيّن، وما كان هذا وصفه لا يحتاج إلى إقامة الدليل لنقضه.

قال الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى- في شرح قوله تعالى: إِفْكٌ مُبِينٌ [النّور: ١٢] ما نصه: (أي كذب ظاهر على أم المؤمنين- رضي الله عنها-، فإن الذي وقع لم يكن ريبة، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة والجيش بكماله يشاهدون ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم، ولو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا جهرة ولا كانا يقدمان على مثل هذا على رؤس الأشهاد، بل كان يكون هذا لو قدّر خفية مستورا) . انتهى «١» .

كما أنوه أن وصف الإفك بأنه مبين فيه توبيخ شديد لمن وقع فيه.

ب- الأمر العظيم:

من مظاهر تقبيح القرآن الكريم لهذا الإفك، وصفه بأنه عظيم، ولبيان شدة عظمه أن الله- تبارك وتعالى- نسب هذا العظم إليه، فقال: وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النّور: ١٥] ، ولم يقل: (وتحسبونه هينا وهو عظيم) .

ج- البهتان العظيم:

قال تعالى: سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النّور: ١٦] . وتدبر أخي القارئ كم مرة ذكر لفظ عَظِيمٌ [النّور: ١٦] في تلك الآيات المباركات، فقد ذكر أن الأمر عند الله عظيم والبهتان عظيم والعذاب المترتب عليه عظيم، وما ذلك إلا ليستشعر المؤمن عظم الأمر عند الله- تبارك وتعالى-.

د- نفي جواز التكلم به:

لقوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا [النّور: ١٦] ، فجاء القرآن الكريم بتأديب الصحابة- رضي الله عنهم- بما ينبغي أن يفعلوه إذ سمعوا ذلك الإفك، وهو أن يقولوا: (إنه لا ينبغي لنا أن نتفوه وننطق بهذا الكلام) ، فأرشدهم الله- سبحانه وتعالى- بعدم الوقوع في هذا الإفك بأقل مباشرة ممكنة وهو مجرد الكلام، وهذا أبلغ بيان لفحش هذا الإفك، وإذا كان الكلام فيه محرما، فكيف إشاعته أو اعتقاده؟! - نعوذ بالله من هذا-.

هـ- بيان أن نفي الإفك من مقتضيات تنزيه الله- سبحانه وتعالى

-: لقوله تعالى: ما


(١) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٢٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>