المسلمين بمثل هذا الدعاء إلا لشعوره بأنه ارتكب مخالفة شرعية، والغريب أن تلك المخالفة ما كانت لأمر أو نهي وإنما كانت لمخالفة هيئة معينة.
ب- إذا كان الصحابة رضي الله عنهم ينكرون على التابعين في أمور لا نعدها نحن شيئا، وهي الإشارة باليد كلها في خطبة الجمعة، علمنا من ذلك مدى حرصهم ومتابعتهم لكل أمور السّنة صغيرها وكبيرها على حد سواء. يتفرع على ذلك أن نقف على الفارق العظيم بين عصري الصحابة والتابعين، فما كان يفعله التابعون ولا يعدونه شيئا من المخالفات، كان يعده الصحابة أمرا يستحق فاعله أشد الدعاء عليه. ومما يؤكد ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال:(إنّكم لتعملون أعمالا هي أدقّ في أعينكم من الشّعر، إن كنّا لنعدّها على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الموبقات، قال أبو عبد الله: يعني بذلك المهلكات)«١» ، وعلمنا من باب أولى الفارق بين عصر الصحابة والعصور المتأخرة التي تهاون الناس فيها بالسنة الشريفة.
ج- حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم كلها، ويتفرع عليه أيضا، علمنا بتقصيرنا الشديد في هذه العبادة العظيمة:
(عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فالمجتهدون منا- في هذا الباب- يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على من ترك الصلاة، أو الصيام، أو وقع في الشرك الأعظم، وقليل منا من يأمر وينهى فيما هو أقل من ذلك، ولكن انظر إلى الصحابة رضي الله عنهم في أي أمر كانوا ينهون عن المنكر.
[الفائدة الثانية:]
جواز الدعاء على من فرط في سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم ولو كان في أمر هين في نظرنا.
[الفائدة الثالثة:]
وهي فائدة عظيمة، وهي أن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يعرفون التقسيمات التي أحدثها الأصوليون- رحمهم الله تعالى- بعد عصر التابعين، للسنة النبوية الشريفة، فهذه سنة مؤكدة وهذه سنة غير مؤكدة، وهذا عمل مكروه يثاب تاركه ولا يأثم فاعله، وآخر مسنون يثاب فاعله ولا يأثم تاركه، ولكنهم رضي الله عنهم كانوا يعتقدون أن كل ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم أو أمر به، أو أقره فإنه ينبغي على المسلمين فعله، وأنه لا ينبغي مخالفة السنة في شيء.
[الفائدة الرابعة:]
خطأ من يقول: إن الاهتمام بالسنن الشكلية هو من سفاسف الأمور التي لا ينبغي الاهتمام به، بل يصل الأمر إلى التشنيع على من يحرص عليها، فهذا من سوء
(١) البخاري، كتاب: الرقاق، باب: ما يتقى من محقرات الذنوب، برقم (٦٤٩٢) .