للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: إن هذا الخلق كان هو السّمة الغالبة عليه صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يمنع ذلك أن يظهر الشدة في بعض الأوقات، مضطرّا ويكون ذلك لصالح الفرد والأمة، فهذا الرجل الذي تكبّر عن الطاعة فيما أمر، هل ترون أنه سيستمر على ما كان عليه، أم سيتوب إلى الله ويستغفره مما بدر منه، ويستقيم بقية حياته، بالطبع سيستقيم، فيكون الدعاء في حقه، رحمة منه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علاج لداء عظيم، فأن يذهب هذا الكبر بذهاب يده، خير له من أن يبقى في قلبه وتبقى يده.

وهناك احتمال آخر أن هذا الرجل كان من المنافقين، لذلك استجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليه بذلك. وقد نقل النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض هذا الاحتمال.

وهناك أمر آخر وهو ظهور معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وتجلّى ذلك في استجابة الله له في الحال، ومن ثمّ يكون في هذا الأمر موعظة وزجر لمن يتكبر على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا مصلحة عظيمة لهذا الرجل ولغيره من المسلمين.

[الفائدة الثالثة:]

في الحديث دليل على أن الصحابة يمكن أن تقع منهم المعاصي بل الكبائر، لأنهم بشر، وغير معصومين، والشاهد على ذلك أن حدود السرقة والخمر والزنى والقذف، قد أقيمت كلها في عصر النبوة وإن كان ذلك على ندرة شديدة.

[الفائدة الرابعة:]

في الحديث تعظيم أمر الكبر وخطورته؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل، كان بسبب الكبر الذي منعه من امتثال الأمر، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الكبر، وتهديد ووعيد لمن تلبس بهذه الصفة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر» ، قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة!! قال: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكبر: بطر الحقّ وغمط النّاس» «١» .

وعن عبد الله رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النّجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلّا سجد فأخذ رجل من القوم كفّا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا.

قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا «٢» .

يتفرع عليه أن على المسلم إذا وجد في قلبه غضاضة في الانصياع للحق، أو العمل


(١) مسلم، كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، برقم (٩١) .
(٢) البخاري، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، برقم (٣٩٧٢) ، ومسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: سجود التلاوة، برقم (٥٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>