للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا فرطكم على الحوض، فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثمّ يحال بيني وبينهم» . قال أبو حازم:

فسمعني النّعمان بن أبي عيّاش وأنا أحدّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت:

نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه قال: «إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدّل بعدي» «١» .

[الفائدة الثالثة:]

وهي فوائد متفرقة، نذكرها مختصرة على عجل:

١- إثبات أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات وشهادات خاصة يوم القيامة، كشفاعته في عمه أبي طالب، وأهل بيته الطاهرين الميامين، وفي هذا الحديث شفاعته وشهادته لأهل المدينة خاصة، وهي مزية عظيمة لهم قال الإمام النووي: (وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات أو تخفيف الحساب أو بما شاء الله من ذلك أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع الكرامات كإيوائهم إلى ظل العرش أو كونهم في روح وعلى منابر أو الإسراع بهم إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض) «٢» .

يتفرع على ذلك أن نعلم أنه ليس المقصود من الشفاعة إخراج من دخل النار من المسلمين وإدخالهم الجنة، بل هي شفاعات كثيرة امتن الله بها على صفوته من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم.

٢- في رواية البخاري معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي إعلامه بالغيب الذي أطلعه الله عليه، حيث ذكر صلى الله عليه وسلم فتح اليمن ثم الشام ثم العراق وقد فتحت بنفس الترتيب الذي ورد بالحديث. كما ذكر صلى الله عليه وسلم تفرّق الناس في هذه البلاد وهجرتهم إليها طلبا للسعة والرخاء وقد وقع أيضا.

٣- في هذا الحديث بيان فضل المدينة على اليمن والشام والعراق، قال الإمام ابن حجر: (وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه، وفيه دليل أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء أن للمدينة فضلا على غيرها وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين غيرها) «٣» . يقصد بذلك مكة- شرفها الله-.


(١) البخاري، كتاب: الفتن، باب: ما جاء في قول الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ... ، برقم (٧٠٥١) ، ومسلم، كتاب: الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، برقم (٢٢٩١) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٣٧) .
(٣) فتح الباري (٤/ ٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>