فانظر وتدبر حفاوة الله- عز وجل- بهذا الكتاب لتعلم مكانة هذا القلب، فقد ذكرت الآيات عظيم من نزل بأمره القرآن، وهو الله- تبارك وتعالى- رب العالمين، ورفيع قدر من نزل به، وهو الروح الأمين جبريل عليه السّلام وفصاحة اللسان الذي نزل به، وهو اللسان العربي المبين، فلا شك أن هذا الاعتناء الإلهي بنزول القرآن الكريم يستلزم اعتناء مثله بالمكان الذي سيكون وعاء وحفظا لهذا القرآن، وهو قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو موطن تزكية قلبه صلّى الله عليه وسلّم الذي أردت أن أبينه.
[الفائدة الثانية:]
بيان عظيم شأن القرآن الكريم، قال الشيخ السعدي رحمه الله:(وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم فإنه أفضل الكتب، نزل به أفضل الملائكة على أفضل الخلق على أفضل بضعة منه وهي قلبه، على أفضل أمة أخرجت للناس، بأفضل الألسنة وأفصحها وأوسعها، وهو اللسان العربي المبين)«١» .
الفائدة الثّالثة:
إن القلب هو مكان تمكن الشيء واستقراره وتثبيته؛ ولذلك أشار القرآن الكريم أن مكان نزول القرآن هو قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس عقله ولا لسانه، وفيه إشارة أيضا أن مكان حفظ القرآن هو القلب وليس الكتب، مع التنبيه على ضرورة إعمال القلب في تدبر آيات الذكر الحكيم حيث إنه الوعاء الأول الذي نزل فيه القرآن.
الفائدة الرّابعة:
تكفل الله- تبارك وتعالى- بحفظ هذا الكتاب العزيز، من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل، من قبل نزوله، وأثناء نزوله، ومن بعد نزوله إلى قيام الساعة، أما قبل نزوله، فقد منع الله- عز وجل- الشياطين من استراق السمع قال تعالى:
وروى الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: (انطلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء. فانصرف أولئك الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له. فقالوا: