في قلوبهم من النيات الصادقة، فإن أنس بن النضر قال: ليراني الله ما أصنع! قال الراوي: فهاب أن يقول غيرها، أي أنه لم يقل: سأفعل وأفعل في المعركة، وذلك مخافة أن يعجز أو مخافة العجب منه أو به، أو قد يكون ذلك تواضعا مع الله عز وجل، ولا مانع من إرادته كلّ ذلك. فعلى كل مسلم أن يتعلم هذه الأخلاق الحميدة ويعمل بها، فيضمر في قلبه ما فعله لله عز وجل وما هو عازم أن يفعله، وإن كانت هناك مصلحة في التكلم كان بقدر الحاجة فقط، والله عز وجل مطلع على البواطن اطلاعه على الظواهر سواء بسواء، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه: ٧] ، وهو يعلم إن كان الرجل يتكلم لمصلحة أم لا، وإن كان تكلم بقدر الحاجة أو توسّع بما لا يفيد.
[الفائدة السادسة:]
وفي الحديث نرى ما كان عليه أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم من شجاعة وإقدام وتضحية وفداء لله ورسوله، فقد طعن أنس بن النضر أكثر من ثمانين طعنة قبل أن يلاقي ربه، ولا شك أنه ما كان يطعن إلا وهو يحارب، فكيف كان يتحامل على نفسه ويقف شامخا يحارب مع كل تلك الطعنات مما ضيع معالمه كلها فلم تعرفه أخته إلا بإصبعه.
[الفائدة السابعة:]
بيان حب الصحابة الشديد للجنة، فكانوا يبذلون من أجلها النفس والنفيس، والله إني لأتعجب غاية العجب كيف كانوا يحرصون على الشهادة وهم يعلمون أنهم بموتهم سيفارقون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الأعز عندهم؟! كيف كانوا يتحملون أن يذهبوا إلى القتال ويودعوا الرسول، وهم يعلمون أنهم لن يروه مرة أخرى في حال شهادتهم، ولكن أقول في نفسي: إنهم أحبوه بعقولهم وقلوبهم، فقدموا الشهادة في سبيل الله على الصحبة في الدنيا، وذلك لأنّ صحبة الدنيا ستنقطع لا محالة إما لموتهم أو موت النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه بشر قال الله فيه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزّمر: ٣٠] . وبموتهم في سبيل الله ضمنوا صحبته الأبدية في الجنة.
[الفائدة الثامنة:]
طمع الصحابة في الجنة لأن أنس بن النضر رضي الله عنه اندفع إلى المعركة اندفاعا شديدا وأبلى فيها بلاء حسنا، وكان آخر ما قال فيما علمنا:«لريح الجنة أجده دون أحد» ، فكأن هذا هو الذي دفعه للموت في سبيل الله، ومن هنا نعلم خطأ بل جهل من يقول: إنني أعبد الله حبّا له ليس طمعا في الجنة، إنما هي عبادة التجار، وهذا تكذبه آيات القرآن الكريم الكثيرة التي تبين أبلغ تبيان أن المؤمنين يعبدون الله طمعا في جنته، وخوفا من عقابه بل حتى الملائكة الذين جبلوا على الطاعة إنما يخافون الله عز وجل ويظهرون هذا الخوف لأنه من تمام عبوديتهم لله، بل إن الله هو الذي رغب عباده في الطاعات بأن جعل ثوابها الجنة.