للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفصيلا حيث خصّت الآية بالذكر الإيمان به، بعد النص على مطلق الإيمان، قال تعالى:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (عطف خاص على عام، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلّى الله عليه وسلّم) «١» .

[الفائدة الثانية:]

في القرآن العظيم وفي هدي سيد الأنام صلّى الله عليه وسلّم الشفاء من كل أمراض العصر، كالقلق والتوتر والعصبية وغير ذلك كثير، لقوله تعالى: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ، ولقوله جل في علاه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: ٨٢] .

وعلى كل من يعاني من تلك الأمراض أن يعالج نفسه بالقرآن الكريم، علما وعملا وتلاوة، فسيجد فيه الشفاء من كل داء، وإذا لم يجد المسلم في القرآن ما يشفي صدره ويريح باله، فليعلم أن العيب فيه، إما لتقصيره في التلاوة والتدبر، أو لضعف اليقين بما وعد به الله- عز وجل-، أو لوجود شك في قلبه أو شبهة في عقله تمنع وصول الحق إليه، ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في معنى أصلح بالهم: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أي أمرهم وقال مجاهد: أي شأنهم وقال قتادة: حالهم، والكل متقارب) «٢» .

ويتفرع على ذلك: أن نحكم على كل من يعاني من تلك الأمراض أنه بعيد عن منهج الله سبحانه وتعالى- ويعلم قدر بعده عن هذا المنهج بقدر ما أصابه من تلك الأمراض، كما يتفرع عليه تفاوت الناس تفاوتا كبيرا في التمسك بما نزّل على محمد صلّى الله عليه وسلّم لتباينهم في صلاح شأنهم وأحوالهم، ويتفرع عليه أيضا عدم أمانة الطبيب الذي يعالج هذه الأمراض دون نصح المريض بالتمسك بالكتاب والسنة، والخيانة الكبرى أن يعالج الطبيب المريض بما يناقض ما جاء في الكتاب والسنة، كالطبيب الذي يعالج بسماع الموسيقى والأغاني مثلا.

الفائدة الثّالثة:

عظم شأن العمل الصالح، وهو الذي يتوفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة حيث إن الآية قد قيدت إصلاح شئون الدنيا والآخرة بالإيمان والعمل الصالح.

٩- تزكية همته صلّى الله عليه وسلّم في الدعوة (على لسان مشركي مكة) :

قال تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ [ص: ٦] ، الشاهد في الآية: قوله تعالى: إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ، أي: يريده النبي صلّى الله عليه وسلّم ويقصده، وليس قول عابر سيتركه بعد أيام أو ليال معدودات، وما علم الكفار ذلك من النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا


(١) تفسير القرآن العظيم (٤/ ١٧٣) .
(٢) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>