للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما صح في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين وفيه عن النبي «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذّكر كلّ شيء وخلق السّماوات والأرض» «١» ، كما نؤمن أن ما أخطأ الإنسان ما كان ليصيبه، وما أصابه ما كان ليخطئه، ونؤمن أن الله بكتابته وعلمه كل شيء ما ظلم أحدا، لقوله تعالى في محكم التنزيل: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: ٤٦] .

[تنبيه هام:]

التعرض لأي من أصول الإيمان، باستهزاء أو غمز أو لمز أو تشكيك أو طعن أو إثارة الشبهات حوله، لغرض التكذيب أو غيره، يخرج فاعلها عن دائرة الإيمان، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [التوبة: ٦٥، ٦٦] .

[الفائدة الثالثة:]

بيان بما أوتيه النبيّ من جوامع الكلم، وذلك في قوله عن تعريف الإحسان: «أن تعبد الله كأنّك تراه» . فبدلا من أن يقول: تعبد الله بإخلاص وتذلّل وخشوع ورهبة، وأن تقوم بأداء جميع أركان العبادات، على الوجه الأكمل، وأن تنتقي من الأعمال أحسنها، وأن تشعر في نفسك عند العبادة بالتقصير، فتكون متقلبا بين الخوف والرجاء، بدلا من أن يقول ذلك وغيره كثير، قال: ( «كأنك تراه» ، فالمسلم إذا استقر في نفسه، أنه يرى الله في عبادته أتى بما ذكر، بل أتى بكل ما هو الأكمل والأحسن في كل عبادة، وهذا هو المطلوب من كل مؤمن، قال تعالى: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الزمر: ٥٥] .

[الفائدة الرابعة:]

كل عيب أو نقص في العبادة، يرجع إلى خلل في تحقيق العبد لرؤيته لله، وبقدر ما تحقق للعبد من ذلك، بقدر ما تأتي العبادة على أحسن وجه.

[الفائدة الخامسة:]

السؤال عن الساعة، هكذا مجردا، في قوله: «فأخبرني عن الساعة» .

يحتمل أن يكون عن وقتها، أو عن أماراتها، أو ما يقع فيها من أهوال عظام، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن السائل يريد وقتها، وكان هذا الفهم صحيحا؛ لأن جبريل عليه السلام، لما سمع إجابة النبي بنفي علم وقت قيام الساعة، ما راجعه وقال له: ما عن وقتها سألتك، وهذا يدل على فراسة وذكاء النبي صلى الله عليه وسلم، في فهم ماهية السؤال، ولكن لما أجاب بعدم العلم، أتى جبريل عليه السلام بسؤال آخر، وهذا يدل على أن السائل يجب عليه أن يسأل


(١) البخاري، كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، برقم (٣١٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>