للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه، ولا يحزن لنا قلب، ولا نلقي بالا بما نفعل، بل نشعر أننا أعبد خلق الله وأتقاهم له! أين الحزن والبكاء؟! أين الإنابة والتوبة؟! أين الخشية والرهبة؟! أأمنا مكر الله إلى هذا الحد؟! أفلا نتوب إلى الله ونستغفره، ونحدث بعد الذنب توبة. نرجو رحمة الله ونخشى عقابه، ونستذكر دائما قوله تعالى: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين: ٤] .

[الفائدة الخامسة:]

وهي فائدة جليلة، تتلخص في أهمية الرأي العام في المجتمع المسلم، وتأثيره على أهل المعاصي، وأن هذا أبلغ بكثير من إيداعهم السجن، الذي يخرج المجرمين وأصحاب السوابق، ويعلّم كل رذيلة، انظر ماذا فعل الرسول بكعب وصاحبيه، حبس الناس كلهم عنهم فكانوا بحق في سجن كبير، لا يكلمهم أحد ولا يلقي السلام عليهم أحد، لم يقاطعوهم فقط بل تغيروا لهم، يقول كعب: (فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا) ، وانظر أثر ذلك في نفس كعب قال: (حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف) ، ولما أعرض عنه أحب الناس إليه، ماذا فعل؟ يقول: (ففاضت عيناي) ، أرأيت أثر الرأي العام في المجتمع النبوي، وأؤكد أنه ما استشرى الظلم ولا كثرت الفواحش، ولا عم الفساد، إلا بسبب أن وجوه المسلمين لا تتغير لأهل المعاصي، ولو تغيرت لتغير حالنا إلى أحسن حال، وهذا مطلوب منا شرعا، وفي الحديث أيضا مشروعية عدم إلقاء السلام على أهل المعاصي، على تفصيل عند العلماء.

الفائدة السّادسة:

في الحديث ما عليه الكفار من الحرص على إضلال المسلمين، وتحين كل فرصة لذلك، حتى لو اصطادوا في الماء العكر، ويجب علينا ألاننخدع بقولهم المعسول، فنكون قد كذبنا الله وصدقناهم، فالله يقول: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: ١١] . فماذا يدفع ملكا من ملوك الأرض أن يكتب إلى أحد من المسلمين في ظروف كهذه؟ يذكره بما يلاقيه من جفاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهوانه على الناس، ورغبة الملك في اللحاق به فقال له: (فالحق بنا نواسك) ، وما أشبه الليلة بالبارحة، يذهبون لفقراء المسلمين، يغرونهم بالمال في المجاعات ليرتدوا عن إسلامهم، ويمنحون أوائل الطلاب والنوابغ منهم في العلم، المنح الدراسية المجانية، فيذهب أولاد المسلمين إليهم في عقر دارهم، في سن مبكرة، يتشربون منهم عاداتهم ويأخذون عنهم تقاليدهم، ويرجعون إلى أهليهم بأسوأ حال- إلا من رحم الله- والعجيب أن بعض تلك المنح تفرض على الفتاة المسلمة أن تنزل ضيفة على أسرة غير مسلمة، بحجة أن تتعلم اللغة الأجنبية، وكثير منهم لا يعودون إلى بلادهم بعد انتهاء دراستهم، فهي بحق محن وليست منحا،

<<  <  ج: ص:  >  >>