للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعليه أن ينظر في حاله، في النميمة والغيبة والحسد، والخوض في أعراض الناس، وقول الكذب، وعدم الوفاء بالوعود والعهود، وخيانة الأمانة، وإفشاء الأسرار، وحب الاطلاع على عورات الناس، وأكل أموالهم بالباطل، فإن كان بعيدا عن تلك المعاصي والكبائر، فرح وحمد الله- عز وجل- على ما عنده من الورع، ويسأل الله أن يزيده ورعا، وأما إن كان يجترئ عليها ولا يبالي، بل لا يشعر أنه قد أذنب، ويجد لكل معصية يرتكبها مبررا، فليعلم أنه ليس معه من الورع شيء.

هذا ما فتحه الله عليّ من الفوائد والعبر في حديث الإفك، وقد يكون فيه من الدروس والعبر شيء لم أقف عليه، والذي يهمنا ألاتذهب هذه الفوائد أدراج الرياح، وكأن هذه القصة لا تعنينا في شيء، وكأن القرآن الذي نزل فيها قد نسخ، أو أنه نزل فقط في حق الصحابة رضي الله عنهم، وكيف نضيع هذه العبر والدروس، من حادثة عانى منها النبي صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة، وربى الله- عز وجل- فيها الأمة أحسن تربية. والله أعلى وأعلم.

١٥- غضبه صلى الله عليه وسلم

عن أبي مسعود رضي الله عنه: أنّ رجلا قال: والله يا رسول الله إنّي لأتأخّر عن صلاة الغداة من أجل فلان، ممّا يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشدّ غضبا منه يومئذ، ثمّ قال: «إنّ منكم منفّرين، فأيّكم ما صلّى بالنّاس فليتجوّز فإنّ فيهم الضّعيف والكبير وذا الحاجة» «١» .

وقد أتيت بهذا الباب في الشمائل لفائدة جليلة، وهي إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب، ويشتد في الموعظة، ويعلو صوته، ويحمر وجهه أحيانا، وأن الغضب لا يتنافى مع ما عرف منه صلى الله عليه وسلم من اللين والرفق في الأمر كله، كما أردت أن أثبت للناس، أن الغضب ليس دائما صفة مذمومة، بالشروط التي سأذكرها- إن شاء الله تعالى-.

والشّاهد في هذا الحديث:

قول أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ) .


(١) البخاري، كتاب: الأذان، باب: تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود برقم (٧٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>