الرفيعة عند ربه التي لا يعلوها أحد في الأولين والآخرين، وأن الإرادة الحكيمة لله عز وجل قد اقتضت ألا يتوجه إليه صلى الله عليه وسلّم أي خطاب- ولو كان على لسان الكفار- فيه أدنى إيذاء أو شبهة تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلّم، فلو كان الكلام على لسان الكفار أو المنافقين دفع الله شبهة المعاندين وأبطلها، كما بينت ذلك مفصلا في باب «دفع شبهات الكفار» ، وإن كان سياق الكلام حكاية من الله عز وجل عن أحوال المعاندين، دفع الله عز وجل ما يوهم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم، ودليله من آية الباب: أن المنافقين لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ليشهدوا أنه رسول الله، ولما كانت هذه الشهادة التي قالوها بألسنتهم تنافي ما في قلوبهم من التصديق، وأراد الله أن يكذبهم في شهادتهم دون أن ينسحب التكذيب على صدق الرسول صلى الله عليه وسلّم، ذكر القرآن الكريم جملة اعتراضية بين شهادة المنافقين، وتكذيب الله عزّ وجلّ لهم في شهادتهم، بقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ [المنافقون: ١] ، وبذلك أثبت القرآن الكريم شهادة المنافقين وتكذيبها دون المساس بالنبي صلى الله عليه وسلّم، فتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، وهذا من أكبر الدلالات على عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلّم عند ربه.
[بعض فوائد الآية الكريمة:]
[الفائدة الأولى:]
عناية الله- سبحانه وتعالى- بنبيه، حيث ذكرت الآية علم الله برسالة النبي صلى الله عليه وسلّم قبل أن تذكر كذب المنافقين في شهادتهم، كأن الله- سبحانه وتعالى- أراد أن يقول لنبيه صلى الله عليه وسلّم: لا يهمنك تكذيب المنافقين لك وإنكارهم رسالتك، فإن ذلك لا يضيرك، فيكفيك أن الله- سبحانه وتعالى- يعلم أنك رسوله، فكفى بالله شهيدا على ذلك. وفي هذا أبلغ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم، وتطمينه أن تكذيب المنافقين له لا يقدح في رسالته.
وهذه الفائدة تختلف عما ذكرته آنفا، فتدبر.
[الفائدة الثانية:]
في الآية الكريمة بيان ظاهر لقبح ما عليه المنافقون ويظهر ذلك من:
١- قوله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ بينت الآية أن المنافقين هم الذين سعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فهو لم يذهب إليهم، ولم يستدعهم، فكان حريّ بمن جاء بنفسه للشهادة من تلقاء نفسه، أن يكون صادقا في شهادته وأن تكون هذه الشهادة مطابقة لما في قلبه، ولكن جاء الأمر منهم عكس ذلك تماما.
٢- صيغة شهادتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم، وهي قول الله تعالى على لسانهم: قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وفيها: