للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصاري حكم في المسألة حكما ثانيا، كما ذكر القرطبي في أسباب نزول الآية، ويتفرع عليه إثبات عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في حال غضبه، ولولا علمه صلى الله عليه وسلم بهذه العصمة في حال غضبه ما حكم في المسألة في المرة الثانية.

قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: (ولا يقال: كيف حكم صلى الله عليه وسلم في حال غضبه، لأنا نقول: إنه معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام بدليل العقل الدال على صدقه فيما يبلغه عن الله- تعالى- فليس مثل غيره من الحكام) «١» .

[الفائدة السابعة:]

جواز أن يقضي الحاكم بين متخاصمين أحدهما من قرابته، شريطة أن يضمن العدل بينهما وعدم محاباة أهله وقرابته.

[الفائدة الثامنة:]

عدم رضى أحد المتخاصمين، واعتراضه على حكم القاضي وتظلّمه منه لا يدل على أن الحكم جائر، بل قد يكون الحكم في مصلحة المتظلم، ولكن طبيعة النفس البشرية تأبى إلا أن يكون الحكم حسب هواها، إلا من رحم الله.

٨- وجوب رد النزاع إلى سنته صلى الله عليه وسلم:

قال- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: ٥٩] .

[سبب نزول الآية الكريمة:]

عن عليّ رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثمّ قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا، ثمّ قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: إنّما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النّار. فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النّار، فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» «٢» .

بعض فوائد الآية والحديث الوارد في سبب النزول:


(١) انظر «الجامع لأحكام القرآن» ، (٥/ ٢٦٧) .
(٢) البخاري، كتاب: الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم (٧١٤٥) ، ومسلم، كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية..، برقم (١٨٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>