للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا هو حكم طاعة ولي الأمر- الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بمعصية، فمن باب أولى وأولى ينسحب هذا الحكم إلى كل من هو دونه من الرئيس والمدير والزوج والزوجة وحتى الوالدين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة في معصية الله وإنما الطاعة في المعروف» ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لأصحابه أن هؤلاء لو دخلوا النار فلا عذر لهم عند الله في طاعة أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: «لو دخلوها ما خرجوا منها» ، فهل يعقل أن يكون لغيرهم عذر في طاعة ولي الأمر إذا أمر بمعصية؟!.

[الفائدة الثامنة:]

حب الصحابة رضي الله عنهم بعضهم لبعض وتناصحهم فيما بينهم أشد ما يكون النصح، ودليله أن نصح بعضهم بعضا لم يقتصر على اللسان وبيان الحق في المسألة، وقد يقول قائل: هذا يكفي، ولكنه تعدى إلى تغيير المنكر باليد، لما ورد عند البخاري:

(وجعل بعضهم يمسك بعضا) «١» .

[الفائدة التاسعة:]

وجوب طاعة الأمير في حال غضبه- إن لم يأمر بمعصية- لأن أمير السرية قد غضب وأمرهم أن يجمعوا له حطبا ويوقدوا نارا ففعلوا وذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فأقرهم على فعلهم ولم ينههم إنما أنكر فقط طاعته في دخول النار، قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: (يؤخذ من الحديث أن الحكم في حال الغضب ينفذ فيه ما لا يخالف الشرع وأن الغضب يغطي على ذوي العقول) «٢» . وأقول: أما حكم القاضي بين المتخاصمين وهو غضبان فلا يجوز لوجود النهي في ذلك.

[الفائدة العاشرة:]

في الحديث دليل على أن من قتل نفسه خلد في النار، والتخليد على مذهب أهل السنة هو طول المكث في النار، لما ورد في إحدى روايات البخاري: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا» ، ويؤيده قوله- تعالى-: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً [النساء: ٩٣] ، وما ورد في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيه خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن تحسّى سمّا فقتل نفسه فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في


(١) البخاري، كتاب: المغازي، باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمي ... ، برقم (٤٣٤٠) ، من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٢) انظر «فتح الباري» (٨/ ٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>