للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ قال: أتدرون ما الكوثر؟» فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه نهر وعدنيه ربّي- عز وجل- عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمّتي يوم القيامة آنيته عدد النّجوم، فيختلج العبد منهم. فأقول: ربّ إنّه من أمّتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك» .

الشّاهد في الحديث:

قول أنس رضي الله عنه: (ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله) .

وقد بوبت للضحك بابا لأبين أمرين:

الأول: أن الضحك لا يتنافى مع تقوى الإنسان وخوفه من ربه- سبحانه وتعالى- بل هو من نعم الله على عباده، قال تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [النجم: ٤٣] .

الثاني: أن جلّ ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان تبسّما، وكان نادرا ما يضحك حتى تبدو نواجذه، وهي سمة الأنبياء، ألم تر ماذا فعل سليمان عليه السّلام، لما سمع قول النملة؟!، ما زاد على التبسم، قال تعالى: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [النمل: ١٩] .

قال الشيخ السعدي رحمه الله كلاما جميلا ونفيسا أنقله بالنص: (تبسم سليمان عليه السّلام إعجابا منه بفصاحتها ونصحها وحسن تعبيرها وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأدب الكامل والتعجب في موضعه وألايبلغ بهم الضحك إلا إلى التبسم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم، فإن القهقهة تدل على خفة العقل وسوء الأدب، وعدم التبسم والعجب مما يتعجّب منه يدل على شراسة الخلق والجبروت، والرسل منزهون عن ذلك) «١» .

وسيأتي الكلام مبسوطا- إن شاء الله- عن بقية الحديث في باب [الكوثر] .

٥- قوته البدنية صلى الله عليه وسلم:

عن جابر رضي الله عنه قال: (إنّا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية «٢» شديدة، فجاؤا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال: «أنا نازل» ، ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا، فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب فعاد كثيبا أهيل أو


(١) تيسير الكريم الرحمن (٦٠٣) .
(٢) كدية: قطعة غليظة صلبة من الأرض لا يعمل فيها الفأس، الكثيب: تل من الرمل، الأثافي: الأحجار التي يكون عليها القدر، تضاغطوا: تزاحموا.

<<  <  ج: ص:  >  >>