للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ومن فوائد الآيات يتضح هذا الأمر أكثر:]

[الفائدة الأولى:]

عظيم عناية الله- سبحانه وتعالى- بنبيه صلى الله عليه وسلّم ووجه ذلك:

١- إثبات أن السنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلّم (والتي تتمثل في أفعاله وأقواله وإقراره) هي وحي من الله- سبحانه وتعالى- لقوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) ، قال الشيخ السعدي: (دل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلّم) «١» .

ويتفرع عليه أن القران الكريم جاء بأبلغ تزكية لسنته صلى الله عليه وسلّم. فكفى لها ولصاحبها صلى الله عليه وسلّم شرفا أنها وحي من الله تبارك وتعالى.

٢- إثبات العصمة للنبي صلى الله عليه وسلّم من الكذب والضلال والبهتان، ودليله أن كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلّم هو وحي من الله تبارك وتعالى، بالإضافة إلى نفي الهوى عن كل ما نطق به.

وتلك العصمة- كما ذكرت في أكثر من موضع- نثبتها للنبي صلى الله عليه وسلّم حتى قبل البعثة، ودليله من الآية نفي الضلال والغواية عنه صلى الله عليه وسلّم ولم تقيد الآية النفي بزمن ما بعد البعثة، فعلمنا أن العصمة كانت قبل البعثة كما هي بعدها، وهو ما ذهب إليه القرطبي حيث قال في تفسير الآيات: (ثم يجوز أن يكون هذا إخبارا عما بعد الوحي ويجوز أن يكون إخبارا عن أحواله على التعميم أي كان أبدا موحدا لله وهو الصحيح على ما بيناه في «الشورى» ) «٢» .

٣- إثبات أن كل ما يصدر عنه في كل أحواله صلى الله عليه وسلّم موافق للحق والحكمة، فيستوي في ذلك جدّه ومزحه، رضاه وغضبه، وكذا ضحكه، كما يستوي ما يراه في نومه وفي يقظته، بل يجب أن نعتقد- على سبيل الفرض- أنه صلى الله عليه وسلّم لو تكلم أثناء نومه، لوجب حفظ هذا الكلام والعمل به لأنه وحي من الله- سبحانه وتعالى- كيف لا؟! وهو الذي تنام عيناه ولا ينام قلبه.

٤- تعظيم أمر الرسالة وشخص محمد صلى الله عليه وسلّم وذلك أن الآية لما ذكرت نفي الضلال قرنته بلفظ: بِصاحِبِكُمْ، وليس بلفظ نبيكم أو رسولكم أو حتى ذكر اسمه صلى الله عليه وسلّم وكأنه لا يليق ولا ينبغي ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم مقرونا بالضلالة والغواية حتى في سياق النفي.

وقد ذكر الشيخ السعدي علة أخرى لورود الآية بلفظ: بِصاحِبِكُمْ، فقال: (وقال


(١) انظر «تيسير الكريم الرحمن» (٨١٨) .
(٢) انظر «الجامع لأحكام القران» (١٧/ ٨٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>