للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرعية فعدم التحدث أولى. - لم تكن همة النبي صلى الله عليه وسلم عالية فقط في قيام الليل، ولكن كانت كذلك في كل أنواع العبادات، ولنأخذ أمثلة سريعة لتلك الهمة العالية لنتأسى بها ونقتفي أثرها فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

أ- همته العالية في حضوره صلاة الجماعة:

روى البخاري عن عمرو بن أميّة: (أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتزّ من كتف شاة، فدعي إلى الصّلاة، فألقى السّكّين، فصلّى ولم يتوضّأ) «١» .

والشّاهد في الحديث:

أنه لم يتم أكلته، ولكن فور سماعه الداعي، ألقى السكين وذهب إلى الصلاة، وما أخره أكل الذراع التي يحبها عن صلاة الجماعة، فحبه صلى الله عليه وسلم للصلاة كان أكبر وأعظم.

وعن عائشة قالت: (لمّا ثقل النّبيّ صلى الله عليه وسلم واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي فأذنّ له، فخرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين عبّاس ورجل آخر) «٢» .

والشّاهد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ومع وجعه الشديد الذي كان يعاني منه في مرضه الذي توفي فيه، تحامل على نفسه بمشقة بالغة، لحضور صلاة الجماعة، تقول عائشة رضي الله عنها: (فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض) ، أي ما كان يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يقيم صلبه، ولو بمساعدة رجلين، وما استحى، وهو الذي عرفه أصحابه بالقوة الجسمانية، أن يراه أحد على هذه الصورة، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أعذر المريض في حضور صلاة الجماعة مع حصوله على الأجر الكامل، ولكنه صلى الله عليه وسلم ألزم نفسه العزيمة.

ب- همته العالية في صيام رمضان:

روى مسلم عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرّ شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) «٣» . فبالرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مسافرا، ويجوز


(١) البخاري، كتاب: الوضوء، باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، برقم (٢٠٨) ، ومسلم، كتاب: الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار، برقم (٣٥٥) .
(٢) البخاري، كتاب: الوضوء، باب: الغسل والوضوء في المخضب والقدح ... ، برقم (١٩٨) . ومسلم، كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ... ، برقم (٤١٨) .
(٣) مسلم، كتاب: الصيام، باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر برقم (١١٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>