للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرون أحدا أجمل منه وجها، ولا ألين منه كفا، ولا أطيب منه رائحة. ورؤيتهم له على هذا الوجه، يدل على حبهم الشديد له وصفاء قلوبهم؛ لأن القلب الصافي من الشبهات هو الذي يرى الأشياء على حقيقتها، انظر إلى كفار مكة لظلمة قلوبهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، كما رآه الصحابة، ألم تسمع إلى قول الصحابي الجليل عمرو بن العاص، رضي الله عنه: (وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه) «١» وقد ذكرت الحديث بطوله في باب (تعظيمه صلى الله عليه وسلم في نفوسهم) .

١٩- نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قد رأيتني مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد حضرت العصر وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم به فأدخل يده فيه وفرّج أصابعه ثمّ قال: «حيّ على أهل الوضوء البركة من الله» فلقد رأيت الماء يتفجّر من بين أصابعه فتوضّأ النّاس وشربوا فجعلت لا آلوا ما جعلت في بطني منه فعلمت أنّه بركة قلت لجابر كم كنتم يومئذ قال ألفا وأربع مائة) «٢» . (رواه البخاري) .

[الشاهد في الحديث:]

هو قول جابر بن عبد الله: (فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه) .

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

بيان ما حبى الله رسوله صلى الله عليه وسلم من عظيم المعجزات، فالمعجزة هنا تختلف جدّا عن بقية المعجزات التي وردت في تكثير الطعام والشراب؛ لأن زيادة الماء هنا ما جاءت من دعاء الرسول على الماء بالبركة، بل جاءت المعجزة من تفجر الماء من بين أصابعه الشريفة، ولفظ يتفجر، يشعر بكثرة الماء جدّا، وخروجه بقوة، وهذا هو الذي حدث، فقد توضأ من هذا الماء ألف وأربع مائة رجل، ولك أن تتصور كمية الماء التي تكفي لوضوء هذا العدد من الرجال، بل ولشربهم أيضا.

[الفائدة الثانية:]

علم الصحابة، رضي الله عنهم، أن هذا الماء فيه بركة عظيمة، لذلك حرصوا على الشرب منه، بل إن راوي الحديث، جابر بن عبد الله، استكثر جدا ما استطاع


(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة، برقم (١٢١) .
(٢) رواه البخاري، كتاب الأشربة، باب: شرب البركة والماء المبارك، برقم (٥٦٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>