للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم لهم يوم القيامة؟ بل كيف سيكون تبرؤه منهم، وهو الذي قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ» ، وقد عقدت بابا منفصلا لهذا الحديث في كتابي هذا لأهميته.

ويتفرع عليه أن مدار الأمر ليس على كثرة العبادة والتشدد فيها، ولكن مدار الأمر على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، دون تفريط أو مغالاة.

[الفائدة الثالثة:]

قد تطلق السنة في الأحاديث النبوية ولا يراد بها الأعمال التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل يقصد بها الهدي النبوي، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» . قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: (المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، ومعنى الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني) «١» .

١٠- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من استكبر عن سنته صلى الله عليه وسلم:

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنّ رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: «كل بيمينك» . قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت؛ ما منعه إلّا الكبر» . قال: فما رفعها إلى فيه «٢» .

الشاهد في هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: «لا استطعت» . واستجابة الدعاء حالا لقول الراوي: (فما رفعها إلى فيه) .

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

وجوب تعظيم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع لسنته والمبادرة إلى طاعته، حيث إن هذا الرجل لما لم يبادر لطاعته صلى الله عليه وسلم كبرا، دعا عليه بأمر عظيم وهي أن تشلّ يده، واستجاب الله دعاءه على الفور، مما يؤكد عظم أمر الطاعة، ووجوب التواضع للسنة، ونخشى أن يصيب هذا الدعاء كلّ من ترفّع عن السنة إلى قيام الساعة، فيصيبه وبال ذلك في الدنيا أو الآخرة.

[الفائدة الثانية:]

كيف يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على أحد من أصحابه بهذا الدعاء العظيم، وهو الذي زكاه الله عزّ وجلّ فقال فيه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] ، وقال عزّ وجلّ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:

١٥٩] .


(١) انظر «فتح الباري» (٩/ ١٠٥) .
(٢) مسلم، كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (٢٠٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>