للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ويخشى على من فعل ذلك وأصر عليه من سوء العاقبة. ويؤخذ من الحديث أيضا أن من فعل ذلك بالمدينة فقد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد المغاضبة؛ إذ لم يعظم مدينته ولم يعرف قدرها ولم يرع حرمتها وحرمة ساكنها صلى الله عليه وسلم ويكفيه ذنبا أنه قد أشاع المعاصي والمنكرات في مكان أشاع فيه النبي صلى الله عليه وسلم الهداية للعالمين، بل يكفيه وزرا أنه يعصي الله- سبحانه وتعالى- في مكان قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم جلس فيه أو مشى عليه ولو مرة واحدة والأدهى من ذلك أن يكون نزل عليه الوحي فيه.

[الفائدة الخامسة:]

بيان أن الذنوب تتعاظم في قبحها وآثامها باختلاف المكان والزمان التي ارتكبت فيه، قال تعالى فيمن باشر شيئا من ذلك في البلد الحرام: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الحج: من الآية ٢٥] ، وقال في حق الأشهر الحرم: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

[التوبة: ٣٦] ، وفي الحديث الذي معنا: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .

٢- حرمة أهلها:

عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «من أراد أهل هذه البلدة بسوء- يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء» . [رواه مسلم] «١» .

وهذا تهديد شديد لمن أراد أهل المدينة بسوء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله- عز وجل- سينتقم منه، وأن الله لن يمهله حتى يتمكن من مراده، وقد ذكر العلماء عدة أقوال في معنى الحديث، منها:

١- من أراد المدينة في الدنيا بسوء فإنه لن يمهله، بل سيذهب سلطانه عن قرب، كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره فإنه عوجل عن قرب فهلك في منصرفه عنها.

٢- من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كفي المسلمون أمره واضمحلّ كيده كما يضمحل الرصاص في النار، حيث ورد في رواية مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلّا أذابه الله في النّار ذوب الرّصاص أو ذوب الملح في


(١) مسلم، كتاب: الحج، باب: من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله، برقم (١٣٨٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>