هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين» .
[بعض فوائد الحديث:]
[الفائدة الأولى:]
هناك اختلاف كبير بين سلف هذه الأمة في ثبوت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء، فعائشة رضي الله عنها تنفي ثبوت الرؤية، بينما يثبتها حبر الأمة، ابن عباس، رضي الله عنهما، على اختلاف عند العلماء بقصده بالرؤية، هل هي رؤية عين، أم رؤية قلب، ولست ممن يستطيع الخوض في هذا الأمر ولكن أقول ردّا على من شكك في حجة عائشة رضي الله عنها في نفي الرؤية:
١- سؤال عائشة رضي الله عنها النبيّ عن هاتين الآيتين: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: ٢٣] ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] إنما كان القصد منه التثبت من رؤية النبي لمولاه؛ لأن ظاهر الآيتين يوحي بذلك، كما فهمها مسروق راوي الحديث، وكان رد النبي، أن المرئي، هو جبريل عليه السلام، ولو كان النبي رأى ربه، لأخبر عائشة بعد أن أعلمها بالمقصود من الآيتين؛ لأنه من المؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم مقصود عائشة من السؤال، وهناك اتفاق على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، ولماذا يخفي النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك الأمر العظيم على أقرب الناس إليه، بل أحبهم إلى قلبه، وحديث الباب كان بعد وفاة النبي، فهل يعقل ألا يحدثها بذلك طوال حياته، وهي أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرؤية.
٢- حجة عائشة، رضي الله عنها، في عدم الرؤية، لم تأخذه من قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: ١٠٣] وإنما كان من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالها، وأظن أنها أتت بهذه الآية للاستئناس فقط، أو أنها حملت الإدراك هنا على معنى الرؤية لاعتقادها الجازم باستحالة الرؤية في الدنيا، لتأكدها أنها لم تقع لخير البشر، وهذا ما جعلها تشتد على من يقول بها، أما استدلالها، رضي الله عنها، بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ [الشورى: ٥١] فهو استدلال في محله، ويقوي ما نعتقده.
٣- يقوي ما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها ما رواه مسلم عن أبي ذرّ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربّك؟ قال:«نور أنّى أراه»«١» .
(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب: في قوله عليه السلام: نور أني أراه ... ، برقم (١٧٨) .