للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة» .

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

في الشمائل النبوية:

١- عظيم رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم على كل أفراد أمته، حتى عمت تلك الرحمة، كل مسلم دعا النبي عليه أو سبه، قال الإمام النووي رحمه الله: (هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم) «١» .

انتهى.

والغريب ألاينسى النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر، أي مصير من وجه إليه السب أو اللعن، بل يحمل همه ويدعو الله- عز وجل-، ويشترط عليه أن يجعل السب أو اللعن الذي توجه به إلى أحد من أصحابه زكاة وقربة يوم القيامة، قربة ممن؟ من الله، - تبارك وتعالى..

وإن تعجب أخي المسلم، فالأعجب بحق، أن يشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقلب دعاؤه وسبه للمسلم، زكاة وقربة، وكان من المفترض أن يشترط، ألا يؤاخذ الله- عز وجل- بسبه ودعائه أحدا، وفي هذا الكفاية، ولكن أن يشترط أن ينقلب الأمر من سب إلى زكاة، ومن لعن إلى قربة، فهذا هو الأعجب بحق.

وأظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشترط هذا الشرط الأكمل والأتم، تعويضا لما نال الصحابي الذي سبه من حزن وأسى، وليكون صلى الله عليه وسلم الرؤف الرحيم بهذه الأمة، لمن دعا له، أو دعا عليه، وليس بأهل لهذه الدعوة على حد سواء، قال جل في علاه: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] .

٢- عظيم حب الله- سبحانه وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم ويتجلى ذلك في قوله «إني اشترطت على ربي» ، كما يتجلى في استجابة المولى- سبحانه وتعالى- لما اشترطه نبيه صلى الله عليه وسلم.

٣- تواضعه صلى الله عليه وسلم وقد علمنا ذلك من قوله: «إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر» ، وهذا حجة على الذين يريدون أن يرفعوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلة البشر، في حين أنه صلى الله عليه وسلم يثبت لنفسه البشرية في أقل الأمور وهما الرضى والغضب، ولم يقل


(١) انظر شرح النووي على صحيح مسلم (١٦/ ١٥١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>