عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله. فقال: يا ابن عوف إنّها رحمة. ثمّ أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم:«إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»«١» .
الشّاهد في الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أصابه مثل ما يصيب الناس، من أقدار الله المؤلمة، كالمرض والجوع وفراق الأحباب، وما أصابه في هذا الحديث، هو موت الولد، المحبب إلى الوالد، خاصة إذا لم يكن عنده غيره، فصبر صبرا جميلا، وهو الصبر الذي لا نياحة فيه، ولا شكوى ولا جزع ولا اعتراض على قضاء الله وقدره.
[بعض فوائد الحديث:]
[الفائدة الأولى:]
في الشمائل النبوية
١- رقة قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ويتمثل ذلك في:
أ- تقبيل وشم ابنه وقت مرضه.
ب- بكاؤه لما رأى إبراهيم يجود بنفسه، أي يحتضر.
ج- حزن قلبه، لما مات ابنه إبراهيم وأعلم أصحابه بهذا الحزن، فقال صلى الله عليه وسلم:«وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» .
٢- أدبه مع الله- عز وجل- ورؤيته له في كل أحواله حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يقل- مع حزنه الشديد- أي كلمة تدل على جزعه وعدم صبره، وبرر ذلك بعدم إرادة قول ما لا يرضي الربّ- سبحانه وتعالى- قال صلى الله عليه وسلم:«ولا نقول إلا ما يرضى ربّنا» .
[الفائدة الثانية:]
بكاء العين وحزن القلب- عند نزول المصائب- لا يقدح في إيمان العبد وتسليمه بقضاء الله وقدره، وقد استشكل الأمر على الصحابي، عبد الرحمن بن عوف رضي الله عندما رأى بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وحزنه فقد كان يظن أن البكاء والحزن، لا يناسب مقام النبوة، فقال متعجبا:(وأنت يا رسول الله؟!) ، أي: وأنت يجوز في حقك الحزن
(١) البخاري، كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزونون ... ، (١٣٠٣) .