للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشاهد في الحديث:]

قول الراوي: (فغضب عمران حتى احمرتا عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتعارض فيه) .

ومعنى الحديث: أن الصحابي عمران بن حصين كان يروي حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مفاده: أن الحياء كله خير، فاستشكل على بشير بن كعب التوفيق بين عموم الحديث والذي يدل على أن الحياء كله خير، بلا استثناء أي نوع فيه، وما يجده مكتوبا في بعض الكتب أن فيه ضعفا.

[بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم ووجه ذلك من الحديث:

أ- إنكارهم الشديد على كل من يأتي بمعارض للسنة، وهي ليست معارضة حقيقية، يقصد بها الطعن في الحديث، ولكنها معارضة من حيث الظاهر، حيث استشكل فقط على التابعي بشير بن كعب حمل الحديث على عمومه، ورد في عون المعبود شرح سنن أبي داود:

(إنما أنكره عليه من حيث ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بكلام غيره) .

انتهى «١» .

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: (أشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق، والجواب: أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيّا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا، بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي، وهو خلق يبعث على ترك القبيح) . انتهى «٢» .

ب- غضبهم الشديد لمن يأتي بمعارض لكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ والدليل على أن هذا الغضب كان شديدا، أنه ظهر أثره على عيني عمران رضي الله عنه حتى احمرتا.

واستمر هذا الغضب من الصحابي عمران بن حصين رضي الله عنه كلما أعاد بشير مقولته:

(إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله ومنه ضعف) .

وأظن أن الصحابي قد غضب مثل هذا الغضب الشديد بسبب معارضة التابعي كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم بكلام من هو دونه في المنزلة، بما يوحي للمستمعين أن أحدا من الخلق يمكنه الرد


(١) انظر «عون المعبود» ، (١٣/ ١٠٥) .
(٢) نقله أبو الطيب في «عون المعبود» ، (١٣/ ١٠٥) . عن الحافظ ابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>