للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سوء الأدب؟ هل لطمعها الشديد أن تنالها بركة النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما سنحت لها الفرصة؟ هل كانت ستجد مشقة في نفسها أن يوزع هذا الخير ولا تنال هي منه، وانظر كيف رفعت صوتها رضي الله عنها من حجرتها حتى تسمع أبا موسى نداءها، وكيف استحثتهم على أن يخصوها بطائفة، فقالت لهما (أن أفضلا لأمكما) . ولم تقل: (لي) ؛ لتذكرهما بحقها العظيم عليهما من حيث كونها أمّا للمؤمنين.

ثانيا: تبركهم بفضلة الماء الذي شرب منه صلّى الله عليه وسلّم:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه: (أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بشراب، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فتلّه في يده) «١» .

[الشاهد في الحديث:]

قول الغلام للنبي: (لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا) . الغلام كما ذكر في روايات في غير الصحيحين، هو: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومع شدة تعظيم هذا الغلام الفقيه للنبي، واستئذان النبي منه، إلا أنه أبى أن يعطي فضلة النبي لأحد، فهو يعلم ما فيها من بركة، وهذا يدل على فطنته وحرصه على الخير، ومعرفته قدر الرسول وكل ذلك مع كونه غلاما.

[وفي الحديث فوائد منها:]

[الفائدة الأولى:]

أن الإيثار في الطاعات والخير، غير مطلوب شرعا، فعلى الإنسان أن يقدم نفسه في أمور الخير، وذلك في حالة كون العمل لا يقوم به إلا واحد، مثل وجود فرجة في الصف الأول، لا تكفي إلا واحد، فعلى المسلم أن يبادر إليها ولا يؤثر غيره بها، أما الإيثار المطلوب، فهو الذي يكون في أمور الدنيا مثل الطعام والشراب والملبس، فهذا إيثار محمود شرعا، يثاب المرء عليه.

أما إذا كان العمل يمكن أن يقوم به اثنان أو أكثر، فعلى المسلم أن يحرص على أن يشاركه غيره فيه، ليعم الخير والبركة، ويشرع له أن يختار المشارك له من أهل قرابته، لأنهم أولى بالمعروف، ألم تر كيف شفع موسى في أخيه حتى جعله نبيّا، قال- تعالى- على لسان موسى:

وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي [طه: ٢٩، ٣٠] .


(١) البخاري، كتاب: المظالم والغصب، باب: إذا أذن له أو أحله ... ، برقم (٢٤٥١) ، مسلم، كتاب: الأشربة، باب: إدارة الماء واللبن عن يمين ... ، برقم (٢٠٣٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>