٢- الرأي الثاني: أنها رؤية لمن عن يمينه وشماله، ممن تدركه عينه من التفات يسير في النادر، وهذا القول يتعارض مع ظاهر الحديث؛ لأن الرؤية الناشئة عن التفاتة يسيرة عن اليمين أو الشمال، ليس فيها بالتأكيد رؤية من يقف في الخلف تماما، وليس فيها أيضا إلا رؤية أجزاء من الصف الأول، أما رؤية ما يلي الصف الأول، فهي مفقودة قطعا، وهذا تقييد بلا دليل ولا مسوغ؛ وذلك لعموم الرؤية التي وردت في الحديث، كما هو مناقض لرواية مسلم وفيها:«فو الله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا سجودكم» فالذي يرى من خلفه بالتفاتة يسيرة لن يرى قطعا الساجدين خلفه في أثناء سجوده هو.
٣- الرأي الثالث: يقول: إن المراد بالرؤية هنا العلم، إما بوحي أو إلهام. وهذا أيضا فيه منافاة لظاهر الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن عدم خفاء الركوع والسجود إنما هو ناتج عن الرؤية، وقد قيد هذه الرؤية أنها من وراء ظهره، والإلهام والوحي إنما ينزل على القلب وليس من وراء الظهر، والغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد أن الرؤية إنما هي من وراء ظهره بمؤكدين، هما «إنّ» في قوله «إني» ، واللام الموطئة للقسم في قوله:«لأراكم» ، كأنه صلى الله عليه وسلم يرد على من يتأول الرؤية.
كما أن الرؤية لا تنزل منزلة الوحي، حتى تطلق إحداهما على الآخرى، فالوحي- بلا شك- أعظم من مجرد الرؤية، سواء في الإعلام بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم، أو من جهة تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لها، فالحاصل أنها لو كانت وحيا لكان ذكرها أولى ووقعها أعظم.
وبعد تفنيد هذه الأقوال، نجزم قطعا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى من وراء ظهره كما يرى من أمامه، سواء بسواء.
[الفائدة الثالثة:]
في عضو الرؤية، أي هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بعين محسوسة من وراء ظهره.
أقول: إن البحث في هذا الأمر من التكلف؛ لأنه من الغيب، الذي ليس فيه نص من كتاب ولا سنة، ولو كنا متعبدين أن نعرف عضو الإبصار، لبينته لنا السنة، غاية البيان كما بينت لنا الرؤية، ولكني هنا أرد على من قال: كانت له عين خلف ظهره يرى بها من ورائه دائما، وعلى من قال: كانت له عينان بين كتفيه. وقد ذكر هذين القولين ابن حجر، ولم