للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: ٣] ، ويقول عز من قائل: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر: ٣٦] .

وقد بين الإمام النووي بطلان مقولة هؤلاء السفهاء وأورد طرفا من كلامهم، قال رحمه الله: (وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به غاية الجهالة ونهاية الغافلة وأدل الدلائل على بعدهم من معرفة شيء عن قواعد الشرع، وقد جمعوا فيه جملا من الأغاليط اللائقة بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة الفاسدة فخالفوا قول الله عزّ وجلّ: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦] ، وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور وخالفوا إجماع أهل الحل والعقد وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على احاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي) «١» .

ويتفرع عليه عظيم الخطر المحدق بالدعاة إلى الله- سبحانه وتعالى- والذين يتساهلون كثيرا في رواية الأحاديث الموضوعة- والتي يكثر ذكرها خاصة في كتب التفسير والسيرة والغزوات وفضائل الأعمال- ولا حجة لهم أنهم ينقلون تلك الأحاديث من مراجع إسلامية، وذلك لعموم النهي عن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم فيستوي الكذب إذا نقل المسلم عن مراجع إسلامية أو غيرها من الكتب، خاصة إذا اشتهر أن تلك المراجع محشوة بأحاديث موضوعة لا سيما في أنواع الكتب التي ذكرتها. وإذا قال أحد الدعاة: إني لا أستطيع التفرقة بين الأحاديث الموضوعة والصحيحة.

قلت له: عليك بالكتب المحققة وهي كثيرة جدّا ولله الحمد، وعليك بكتب السنة الصحاح، فإن تعذر عليك ذلك، فالزم بيتك فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها واحذر الوقوع في الكذب على الله ورسوله.

قال الإمام النووي- رحمه الله-: (يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه فمن روى حديثا علم- أو ظن- وضعه ولم يبين حال روايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلّم) «٢» .

[الفائدة الرابعة:]

كما لا تجوز رواية الأحاديث الموضوعة مهما كان موضوعها، فإنه لا يجوز أيضا رواية الأحاديث الضعيفة إلا إذا بين الراوي للمستمعين ضعف الحديث، فيمكن أن يرويه بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم، ولكن أنبه على أن السامعين لو كانوا لا يفرقون


(١) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧٠) .
(٢) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>