ذلك، وكذلك السنة، وهو كذلك اعتقاد الصحابة كلهم جميعا، اسمع لقول كعب:(ولئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني) ، أي أني لو كذبت عليك سترضى عني لأنك لا تعلم كذبي، لعدم علمك بالغيب، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم غيبا قد وقع أمره، فكيف يعلم غيبا لم يقع بعد، أو وقع قبل عصره، والغريب أن الصحابة مع تأدبهم الشديد مع مقام النبوة، لم يستح كعب أن يقول هذه المقولة، والتي تصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، فهذا ليس تنقيصا من حقه صلى الله عليه وسلم بل رفعا لقدره، لأنه هو الذي علمهم ورباهم، ما يكون لله وحده، لا يشاركه فيه أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وعجبت لمن يقول: ومن علومك علم اللوح والقلم!!!، فجعل من علوم النبي صلى الله عليه وسلم علم اللوح المحفوظ، وكل ما كتبه القلم، أي أن هذا من علمه وليس كل علمه، والله إن هذا القائل ما أبقى لله شيئا يختص به من علم الغيب، والأعجب والأدهى أنهم يتقربون لله بذلك!!!، أقول لهم:
والله ما تزدادون بهذا الكلام إلا بعدا عن الله، وقربا من الشيطان، وأظن أن من اعتقد هذا الكلام قد خرج من حظيرة الإسلام، لأنه كذّب بالكتاب والسنة، وقد كررت هذا الكلام ومثله في مواضع كثيرة من هذا الكتاب حتى يتبين للناس الحق من الباطل، ويميزوا بين مقام الألوهية، ومقام النبوة، وما ينبغي إثباته للنبي صلى الله عليه وسلم وما لا ينبغي إثباته، وهو ما تفرد به الله وحده، ألا تصدق الله- عز وجل- في قوله: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس: ٤٠] ، واللام هنا للاختصاص، أي: لله وحده الغيب، لا يشاركه في ذلك أحد، أم تكذّب قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام: ٥٩] .
[الفائدة الثانية:]
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربيته الأمة على العقيدة الصحيحة، والتي منها أن الأمر كله لله، يحكم بما يشاء وكيف شاء، ومتى شاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وذلك من قوله:«فقم حتى يقضي الله فيك» ، والذي يقضي ويحكم هو الله وحده، فظل قلب كعب متعلقا بالله- عز وجل- يسأله ويرجوه أن يقضي فيه بخير، وإذا تيقن العبد أن الله هو الذي يقضي، فكيف يؤمل في غيره، أو يرجو سواه؟ وهذا ما تعلمناه أيضا من القرآن في قوله تعالى: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً [الرعد: ٣١] ، وتقديم الخبر (لله) وتأخير المبتدأ (الأمر) يدل على التوكيد والاختصاص، وهذه التربية العظيمة من الرسول لأفراد هذه الأمة، لهي من أعظم ما يمتدح به النبي صلى الله عليه وسلم ويثنى به عليه، أنه عبّد الأمة لله- عز وجل-.
الفائدة الثّالثة:
فيه تقدير الصحابة لمن شهد بدرا، وأنهم كانوا يرونهم قدوة لهم وأسوة، لقول كعب:(قد ذكروا لي رجلين قد شهدا بدرا، فمضيت حين ذكروهما لي) ، وفيه