كره الكفار للنبي صلّى الله عليه وسلّم وما ينزل عليه من الوحي، وتمنيهم لو أن هذا الوحي قد انقطع، لقول أم جميل:«يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك» فقد سمته شيطانا وتمنت أن يكون قد ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[ثانيا: الآيات الكريمات:]
كما تعودنا من صنيع القرآن، وكما بينت في المواضع سالفة الذكر، أن القرآن العظيم لا ينزل لدفع تهمة أو درء شبهة في حق النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا ونزل معها في الآيات ما يفرحه ويقر عينه، إلا أن سورة الضحى كانت أبين ما يكون في هذا الشأن، مع ملاحظة أنها ما تعرضت مثل مثيلاتها لصاحبة القول- وهي أم جميل- وما علمنا سبب النزول إلا من الحديث الشريف، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى أن المرأة وزوجها قد نزل فيهما سورة كاملة، هي سورة المسد، وكأن الله عزّ وجلّ أراد أن يجعل سورة الضحى خالصة للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
[بعض فوائد الآيات الكريمات:]
[الفائدة الأولى:]
بدأت السورة الكريمة بأن أقسم الله عزّ وجلّ بايتين كونيتين، هما من أعظم دلائل قدرته- سبحانه وتعالى- وهما الضحى، والليل إذا سجى، وعظيم المقسم به يدل على عظيم المقسم من أجله، وهو أن الله ما تخلى عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم كما أن اختيار هذا القسم لطيفة من اللطائف، لمناسبته المقسم من أجله، فكما أن الله قد جعل الضحى للسعي والتعب ثم جعل الليل يأتي بعده ليأخذ الإنسان فيه قسطا من الراحة والسكينة، ليكون قادرا على مواصلة السعي من غده، فكذلك فترة انقطاع الوحي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فرصة لتهدأ نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم من مشقة التنزيل؛ لأنه كان يعاني منه شدة عظيمة، وليكون بعد هذا الانقطاع في أشد الشوق لمعاودة تنزّل الوحي عليه.
[الفائدة الثانية:]
لما كان الوداع يحدث بين الحبيب وحبيبه، والقلى- الذي هو البغض- يحدث بين المتخاصمين، جاء القرآن الكريم بإضافة كاف المخاطبة لأول فعل، وهو التوديع فقال عزّ وجلّ: ما وَدَّعَكَ ثم أتى بالفعل الثاني بدون كاف المخاطبة، فقال: وَما قَلى، وهذا من جميل خطاب القرآن مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى في حالة نفي صدور الفعل لاحظ الخطاب القرآني أجمل الأساليب.
[الفائدة الثالثة:]
أما تفسير قوله- تعالى-: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) ، فقد قال فيها الشيخ السعدي- رحمه الله- تعالى-