للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمل، وانفرجت فرجة في باب الغار، والغريب في الحديث، أن الله سبحانه وتعالى قد قبل منه العمل، مع ما لقاه الأطفال من شدة، وكان يمكن أن يسقيهم ويبقي ما يكفي والديه، ولكنه كره فقط أن يقع في شبهة تقديم أولاده على والديه ولو صوريّا. من منا الآن يقدر على بر والديه مثل هذا أو حتى قريبا منه؟ وقد أطلت في العرض لخطورة الأمر.

[الفائدة الرابعة:]

ثقة الصحابة، ببركة دعاء النبي، لقول أبي هريرة: (فخرجت مستبشرا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم) . وفيه جواز طلب الدعاء من أهل الدين، ومن نظن فيهم خيرا، وفيه رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، إذ كانوا يذهبون إليه ويشتكون إليه ما يجدون حتى من أقرب الناس إليهم، ولا يتحرجون أن يقولوا له عظيم الأمور، يقول أبو هريرة:

(فأسمعتني فيك ما أكره) ، ولا يجد هو صلى الله عليه وسلم في نفسه غضاضة من هذا القول، بل يدعو الله لها بالهداية فتهتدي، وهذا من عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته بالناس، مؤمنهم وكافرهم، وصدق الله الذي يقول: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] .

[الفائدة الخامسة:]

عدم غضب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه والانتقام لها، حيث دعا لمن قالت في حقه السوء، ودعا لها في نفس المجلس، ولو أنه شعر في نفسه غضبا منها، ما دعا لها حتى يذهب ما في قلبه.

[الفائدة السادسة:]

ما كان عليه الصحابة من تحقيق أمر العقيدة الصحيحة، وكانوا على علم وبصيرة بالأمور التي تخص الله وحده، ولا يشاركه فيها أحد، حتى أحب الخلق إليه، هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي علمهم ورباهم على التوحيد الخالص، قال أبو هريرة: (فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة) .

ثم لما أسلمت أمه عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة) . فعلم الصحابي الجليل، أبو هريرة، رغم حداثة سنه، أن الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، والهداية لله وحده، فلم يخلط بين الأمرين، كما خلط كثير من الناس هذه الأيام.

[الفائدة السابعة:]

من السنة حمد الله والثناء عليه، عند نزول النعم ورفع النقم، خاصة إذا كان بسبب استجابة الله لدعاء العبد، وعلى العبد ألا ينسى بعد استجابة الدعاء وتفريج الكروب صاحب الفضل سبحانه وتعالى، قال أبو هريرة حاكيا عن النبي: (فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا) ، كما لم ينس أبو هريرة أن يبشر من دعا له وأجرى الله الخير على يديه، فبعد إسلام أم أبي هريرة، رجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه يشكره (فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح) . وهذه السنة يجب أن نتمثل بها، وألا ننسى من

<<  <  ج: ص:  >  >>