للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإيمان بما يقتضيه ظاهر النص، وأما الاعتراض الذي أورده الإمام ابن حجر نقلا عن القرطبي- رحمهما الله- حيث ذكر: «أن إثبات ظاهر النص يستلزم أنه لا يراه رائيان في آن واحد، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره» «١» .

أقول: إن هذا الاعتراض في غير محله ألبتة. وذلك لأنه اعتراض عقلي بحث لا يستند على أي دليل شرعي، كما أن الرؤيا من الأمور التي لا يقاس عليها أمور الشهادة أبدا، خاصة إذا كانت تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد تكون معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فيكون من سوء المسلك أن نردها لشبهة عقلية، أما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إماما صلاة الكسوف- وهي صلاة جهرية-، ويكلم ربه في آن واحد، كما جاء في الصحيح، وقد أوردته في باب «يرى ما لا يراه أحد» .

[ثانيا: بعض فوائد الحديث:]

[الفائدة الأولى:]

في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم:

١- رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام لا تستوي مع رؤية غيره من البشر، حيث ذكر الإمام ابن حجر أن الشيخين رويا: «فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي» «٢» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي» «٣» . أما غيره صلى الله عليه وسلم فقد يتمثل به الشيطان في المنام.

٢- رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام تنطوي على بشرى عظيمة، وهي رؤيته في اليقظة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» «٤» ولا شك أنها من المبشرات العظيمة التي تفرح القلوب وتثلج الصدور، كما أنها مبشرة ببشرى أخرى لازمة وهي دخول الجنة، حيث لا مكان لرؤيته صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى إلا في الجنة.

[الفائدة الثانية:]

كيف يعلم المسلم أن الذي رآه في المنام هو النبي صلى الله عليه وسلم؟

ذكر الإمام ابن حجر- رحمه الله- ما نصه: «كان محمد- يعني ابن سيرين- إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: لم


(١) انظر فتح البارى (١٢/ ٣٨٤) .
(٢) سبق تخريجه.
(٣) رواه مسلم، كتاب؟ الرؤيا، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني، برقم (٢٢٦٦) .
(٤) انظر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>