أن الإنسان يتصبر في مصيبته إذا علم أن غيره يشاركه فيها؛ لأن كعبا أراد أن يعود للنبي صلى الله عليه وسلم ويكذب نفسه، إلا أنه مضى لما علم أن مرارة بن الربيع وهلال بن أمية قد قال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما قال له.
ويجب التنبيه إلى أن هذا التصبر الذي يجده الإنسان عندما يرى غيره يشاركه المصيبة في الدنيا، لن يكون في جهنم- أعاذنا الله منها- لقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف: ٣٩] . فلن يتسلى الكافر في جهنم إذا رأى غيره يعذب معه، ولن يخفف من عذابه رؤيته امتلاء النار بغيره، أو رؤيته من فوقه في العذاب.
وسبحان من لم ينس أن يذكر تلك الحالة النفسية التي سيكون عليها أهل النار والعياذ بالله، ويجب أن نحمده أنه بيّن كل شيء، حتى نكون على بينة من أمرنا.
الفائدة الرّابعة:
في الحديث ما كان من طاعة الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته أمره، ويتبين ذلك من:
١- اجتناب الناس للثلاثة الذين خلفوا، طاعة لأمر رسول الله، لقول كعب:
(فاجتنبنا الناس) ، وقوله:(وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد) . حتى ابن عمه أحب الناس إليه، أبي قتادة، لم يرد عليه السلام، وناشده مرة ومرتين، ألست تعلم أني أحب الله ورسوله؟! فقال له في المرة الأخيرة: الله ورسوله أعلم، ولم يزد بكلمة. وهل إذا رد قتادة على كعب سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟! ولكنها التربية التي رباهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم على اليقين بأن الله يراهم ومطلع عليهم، فكانت طاعتهم لله ورسوله في السر والعلن، وفي المنشط والمكره.
٢- لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا أن يعتزلوا نساءهم. ولا يقربوهن، استفسر كعب أولا عن مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم بالاعتزال، هل يعني الطلاق؟ مخافة أن يكون قصده الطلاق، فلا يبادر به ويتأخر عن الطاعة، فلما علم أنه الاعتزال فقط، أمر امرأته أن تلحق بأهلها.
٣- في الحديث عظيم أسف وحزن الصحابة على ما يقع منهم من معصية الله ورسوله، يظهر ذلك من قول كعب:(أما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان) ، وانظر ماذا قالت امرأة هلال بن أمية للرسول صلى الله عليه وسلم:(والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا) ، أي حزن هذا الذي يجعل صاحبه يبكي خمسين ليلة! لا يرقأ له دمع، ونحن في المعاصي ليلنا ونهارنا، لا أقول: لا نبكي ولا نأسف، بل أقول: لا يتغير لنا